Print this page

انطلاق الحملة الانتخابية الأوروبية: صعود مذهل لليمين المتطرف

مع انطلاق الحملة الانتخابية الأوروبية التي سوف تنظم بين 23 و26 ماي لتجديد برلمان سترازبورغ تأكد صعود أحزاب اليمين الشعبوي

والمتطرف على حساب الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار في أغلب البلدان الأوروبية. في ظروف تتسم بالعزوف عن الإنتخابات المبرمجة ، تشير عمليات سبر الآراء التي تواكب الحملة تقهقر الأحزاب الحاكمة في شتى البلدان الأوروبية وخاصة في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وعدد من البلدان التي أصبح فيها اليمين المتطرف عنصرا فعالا في الحياة السياسية.

هذه السنة، سوف ينتظر الأوروبيون تجديد البرلمان والمفوضية الأوروبية ورئيسها وانتخاب رئيس جديد للبرلمان الأوروبي خلفا للرئيس الإيطالي الحالي أنطونيو تاجاني. يشمل التجديد كذلك رئاسة البنك المركزي الأوروبي و مجلس الاتحاد. الصراع الحالي بين الشق «التقدمي»، حسب عبارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، و الشق «القومي الشعبوي» يوشك أن يهدد التوازنات التقليدية التي تأسس عليها الإتحاد الأوروبي منذ 1979 عندما أصبح البرلمان الأوروبي منتخبا من قبل الشعوب الأوروبية المنضوية تحته.

صعود اليمين الشعبوي
ثلاثة وجوه سياسية تحرك موجة اليمين المتطرف وهي مارين لوبان في فرنسا وفيكتور أوربان في المجر وماتيو سالفيني في إيطاليا. ثلاثة زعماء احتلوا المشهد الإعلامي في الأشهر الماضية وأصبح تأثيرهم على الرأي العام الأوروبي يتجسم في استطلاعات الرأي والأبحاث الميدانية التي تقوم بها مؤسسات الرأي العام ومعاهد الدراسات السياسية في أوروبا. والتحق بهذا الشق كل من بولونيا والنمسا وبريطانيا بالرغم من «البركسيت» المقرر للأشهر القادمة. وحقق نايجل فراج زعيم «حزب البركسيت أطروحات سياسية قديمة ومتجددة تركز على عدائها للمهاجرين وللإسلام ونقدها الحاد لسياسات بروكسل وللعملة الموحدة اليورو و لدعم رجال الأعمال على حساب الطبقات الضعيفة. هذا التوجه وجد آذانا صاغية، في بداية مشواره، في صفوف الفئات المهمشة و ضعيفة الدخل ثم اتسع إلى الطبقات المتوسطة و جزء من المثقفين من بينهم رموز من الإعلاميين والكتاب والجامعيين. الانتخابات الأخيرة في إيطاليا و النمسا و المجر أعطت السلطة لحركات شعبوية متطرفة. في بلدان أخرى، مثل ألمانيا و اسبانيا سجل اليمين المتطرف وريث النازية و الفاشية تقدما ملحوظا بحصول الحزب الراديكالي الألماني على 90 مقعدا في البوندشتاغ و دخول 24 نائبا لأول مرة في البرلمان الإسباني من حركة «فوكس» الموالية لفكر الجنرال فرنكو. أما في فرنسا فتشير عمليات سبر الآراء إلى تقدم قائمة مارين لوبان على باقي القائمات، و ذلك على غرار مشاركتها في الدور النهائي للإنتخابات الرئاسية عام 2017 و حصولها على 11 مليون صوت.

استقطاب سياسي جديد
تحاول الحركات الشعبوية زعزعة التوازن القائم في صلب البرلمان الأوروبي مع مواصلة انتقاداتها لأدائه والسياسات الفوقية المفروضة من قبل المفوضية الأوروبية على الدول الأعضاء. ولو أن هذا الانتقاد ليس بالجديد فإن تفاقم الأزمات في اليونان واسبانيا وإيطاليا وبلجيكا ودخول فرنسا في زوبعة سياسية مع حراك «السترات الصفراء» منذ نوفمبر 2018 بدون انقطاع وتقهقر الاقتصاد الألماني، كل ذلك أجج حدة رفض السياسات القائمة و حول الرأي العام الأوروبي تجاه مساندة السياسات القومية التي تدعي حرصها على خدمة الشعوب الأوروبية.
الزعماء الأوروبيون واعون بضرورة تطوير أداء و هيكلة الإتحاد. في مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اللذان خططا لإرساء هيكلة تتسم باندماج واسع في مختلف الميادين بين الدول الأعضاء على أساس «تقدمي» يحافظ على مبادئ الإتحاد المرسومة في دستوره و معاهداته. في المقابل يريد الشق القومي الشعبوي المقابل تغيير هذا الوضع بإعطاء سلطة واسعة للدول و بإعادة الحدود بين البلدان الأوروبية للحفاظ على أمنها مع تقليص دور المفوضية الأوروبية. وهو لا يبالي بالقيم الأوروبية المشتركة مثل ما أظهره المجر وبولندا من سياسات ضد استقلال القضاء والحد من الحريات وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير. ويكاد يصطف الشق الشعبوي حول مفهوم «الديمقراطية غير الليبرالية» الذي يدافع عنه فيكتور أوربان.

ولو أن الشق الشعبوي يشكو من انقسام بين توجهات إيطاليا و المجر من جهة وسياسات بولندة و بريطانيا من جهة أخرى ومشاركة الأحزاب في كتل برلمانية مختلفة، فإن كل هذه الأحزاب الشعبوية تتفق في ما بينها على «عداء بروكسل» والمهاجرين. وهو أفق كاف لها لجلب أصوات الغاضبين من السياسات الحكومية التي تبقى مقيدة بقوانين الإتحاد. و أظهرت بداية الحملة الانتخابية استقطابا جديدا لم يشهده الفضاء الأوروبي من قبل بين «التقدميين» و«القوميين». نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى إمكانية أن يحصل الشق الثاني على حوالي 120 مقعدا في البرلمان يمكنه، مع تلوين بعض المواقف، من تشكيل «الثلث المعطل» لبعض القوانين. وهو سيناريو كارثي بالنسبة للشق «التقدمي» الذي يطمح إلى إصلاح الإتحاد على المستوى الهيكلي والسياسي نحو تقارب أشمل في السياسات.

على تقلّبها تبقى النتائج الأولية لسبر الآراء في مختلف البلدان مؤشّرا يُنذر بتقلبات قادمة في البرلمان الأوروبي سوف يكون له تأثير على التسميات الجديدة في المفوضية. اليوم تسجل مارين لوبان والأحزاب القومية الفرنسية أكثر من 30 % من الأصوات و تتقدم على الجميع في حين يصل حزب الرابطة الإيطالي لماتيو سالفيني بمفرده إلى 30 %. أما حزب البركسيت لنايجل فراج فهو يفوق 30 % من الأصوات بعيدا عن الحزب العمالي (21 %) و حزب المحافظين (11 %). أما بولندا و النمسا فالتحالفات الحكومية اليمينية تبقى في الصدارة بالرغم من استفاقة أحزاب اليسار. مشهد جديد يفتح الباب عريضا أمام تقلبات سياسية سوف تؤثر على مردود الإتحاد الأوروبي في السنوات القادمة.

المشاركة في هذا المقال