Print this page

احتجاجات السودان... بين التطلعات للتغيير السلمي ومخاوف «عسكرة» الحراك

اكثر من شهر مضى على انطلاق الحراك الشعبي في السودان في ظل تواصل حملة الاعتقالات

ضد النشطاء وآخرهم ابنة الصادق المهدي أحد أبرز زعماء المعارضة السودانية ..واللافت هو امتداد الاحتجاجات إلى الجامعة الرئيسية في الخرطوم. لقد انطلق الحراك يوم 19 ديسمبر الماضي لأسباب اقتصادية واجتماعية واحتجاجا على نقص الخبز والوقود وسرعان ما رفع المتظاهرون شعارات تطالب بانهاء حكم البشير الذي استمر ثلاثة عقود.
وقد حاولت السلطات السودانية التحذير من تداعيات هذه الانتفاضة معللة ذلك بالخراب الذي عمّ دول ما يسمى بـ«الربيع العربي» التي انتفضت شعوبها مطالبة بالتغيير ...في المقابل فان قادة الحراك السوداني مصرون على سلمية الاحتجاجات وعدم عسكرتها .
ولئن كانت اسباب الازمة التي يعيشها السودان اليوم اقتصادية وسياسية معا، الا انه يمكن اعتبارها ايضا احدى ارهاصات فصل الجنوب عن الشمال، وكذلك إحدى نتائج الحروب التي عاشت على وقعها البلاد طيلة سنوات مثل حرب دارفور وجنوب كردمفان وجنوب النيل الازرق وغيرها ... والمعلوم ان السودان عرف في تاريخه الحديث عديد الثورات بداية من الثورة المهدية في العام 1885 مرورا بثورة أكتوبر، حتى انتفاضة الشعب في أفريل 1985 .

احتكار الاسلاميين للسلطة
ويقول الصــحفي والكــاتب السوداني سليمان سري الناطق باسم التحالف العربي من اجل دارفور في حديثه لـ«المغرب» ان الاسباب الاقتصادية والضغوط المعيشية هي اسباب اعتراضية وستمر ولكن الاسباب الحقيقية وراء الثورة الحالية تعود الى بقاء نظام استمر 30عاماً مع فشل كل المحاولات لإقتلاعه، مضيفا بالقول :» ان الأسباب الحقيقية متراكمة لكنها انفجرت بكثرة الضغوط على معاش الناس،وانعدام الخبز والوقود والسيولة النقدية مقابل احتكار السلطة والثروة لدى قلة من الشعب، لذلك ثارت الجماهير لإنهاء حكم الاسلاميين الذي استمر 30 عاماً يحكم البلاد بالسلاح والقوة والبطش» متابعا :«الغلاء كان سبباً من الاسباب لكن الظلم والفساد هما أقوى الأسباب، فمنذ أن إنقضّ الإخوان المسلمون على السلطة بانقلاب عسكري في 30 جوان 1989 ، انقلب على نظام ديمقراطي شرعي منتخب، لينفذوا مشروعهم الحضاري ويطبقوا سياسة «التمكين» استناداً لنص الآية «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر»، وقصد بذلك تطبيق الشريعة الاسلامية وارهاب الناس بتلك القوانين وإشغالهم وإلهاؤهم بالدعوى والشريعة أو كما قالوا جاءوا «لإعادة صياغة الإنسان السوداني على منهج رباني» ، لكنهم كما يسخر السودانيون «أدخلوا الناس للمساجد وذهبوا هم للسوق»».

ويوضح محدثنا :« ومنذ استلام السلطة مع أول بيان، صدرت قرارات الفصل والتشريد بداية من الجيش، وتم استبدال التعيين بالكفاءات على الولاءات التنظيمية ثم تسلق الانتهازيون مراكز اتخاذ القرار وظهرت التبعية للنظام، وبعد عامين دخلنا في برامج خصخصة القطاع العام وتشريد العاملين بالدولة والمؤسسات الحكومية، تم تدمير أكبر المؤسسات الخدمية والإقتصادية وبيع المؤسسات بأسعار لاتتساوى مع أصولها . مثل مؤسسات مثل السكك الحديدية، النقل النهري والخطوط البحرية «سودان لاين» والجوية «سودانير»، إضافة لمشروع الجزيرة أكبر وأقدم المشاريع في افريقيا والوطن العربي، تجاوز عدد المتضررين من الفصل التعسفي وسياسات الخصخصة والتشريد في القطاعين العام والخاص والخدمة المدنية والعسكرية ملايين الاشخاص».

الى اين؟
اما عن مستقبل الحراك الدائر فأجاب محدثنا بالقول :«يريد هذا النظام أن يترشح لدورة سابعة في 2020 فوق أشلاء الضحايا وجماجم الشهداء والمقهورين متناسياً تصريحاته وأكاذيبه بعدم رغبته بالترشح ، لكنه عاد ليناقض تصريحاته ويعلن ترشحه بتزوير رغبة الجماهير وبتعديل دستور الدولة الذي لايسمح له بالترشح لأكثر من مرتين، لكن تعديل الدستور يمكنه من الترشح مدى الحياة، والحقيقة تمسك البشير بالسلطة يأتي من خوفه من تنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة في حقه منذ العام 2008 لإتهامه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فوجوده في السلطة يؤمن له حياته ويوقف له شبح الملاحقة من المحكمة الجنائية الدولية، وهو يستند إلى قرار مجلس الأمن باستخدام المادة 16 حال تم انتخابه بإرادة شعبية تعطّل مذكرة القبض الصادرة في حقه، لذلك فهو يحاول أن يلعب على العقول بإطلاق مبادرات شعبية مصنوعة «شباب حول البشير».لكنها حجة لن تنطلي على الشعب السوداني بكامل قطاعاته».
واعتبر محدثنا ان هذه الاحتجاجات قطعت الطريق أمام كل الخطط والبرامج التي كان يضعها، وظهر جيل جديد هم أبناء هذا النظام نشؤوا وترعرعوا في سنواته الطويلة، هم جيل المشروع الحضاري، مشيرا الى ان معظم الناشطين أعمارهم تتراوح مابين 18و30 عاما، وبالتالي هذا جيل تمرّد على هذا النظام القمعي وانقلب عليه واعلن رفضه لسياساته ونظامه، و تطورت الاحتجاجات واشتعلت في كل المدن».

المشاركة في هذا المقال