Print this page

أوروبا في مواجهة الوضع الكارثي للطلاق من بريطانيا: مرونة حذرة من بروكسل و مطالبة البريطانيين بتقديم بديل

إثر رفض مجلس العموم البريطاني اتفاق الطلاق مع أوروبا ب 432 صوتا مقابل 202، و جد الإتحاد الأوروبي

نفسه أمام وضع محرج للقادة الأوروبيين الذين عبروا من قبل عن رغبتهم في إعانة البريطانيين على الخروج من الإتحاد الأوروبي بطريقة «منظمة و سلسة» تحفظ الاستقرار و لا تهز التوازنات الاقتصادية الكبرى للجانبين علما و أن نص الإتفاق (585 صفحة) المرفوض ضبط كل الجوانب التي تخدم الجانبين و التي تم التفاوض من أجلها مدة عامين.

مباشرة بعد الإعلان عن نتائج التصويت التي كانت مرتقبة تحرك القادة الأوروبيين للتعليق على الخبر التاريخي الذي مثل تحديا جديدا لأوروبا. و أجمعت العواصم الأوروبية على التمسك بالاتفاق المبرم و مطالبة البريطانيين بتقديم بديل بعد أن «عبروا عما يرفضونه» حسب عبارات كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنيي. وهو نفس الموقف الذي عبر عنه قادة المفوضية و الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

بالنسبة لكبير المفاوضين الأوروبيين الذي استقبله البرلمان الأوروبي بالتصفيق يوم الأربعاء للتعبير عن مساندته له، القرار البريطاني كان «واضحا و جليا». و أوضح أن «هذا التصويت لم يكن انعكاسا لأغلبية إيجابية ترغب في بلورة بديل إيجابي للمقترح الذي هو على الطاولة اليوم» خاصة أنه تمت كتابته «انطلاقا من الخطوط الحمر للحكومة البريطانية». يبقى أمام تريزا ماي بضعة أيام لتقديم بديل للبرلمان البريطاني . و قد أعلنت نيتها الدخول في حوار مع كل النواب من أجل بلورة مقترح يقبله البرلمان في جلسته يوم 21 جانفي و يقي البلاد من الخروج من الإتحاد «بدون اتفاق» ، السيناريو الذي تخشاه كل الأطراف السياسية و الاقتصادية.

زمام الأمور بيد تريزا ماي
لم يبق أمام تريزا ماي إلا مواجهة المخاطر داخل و خارج حزبها للتحرك بسرعة قبل فوات الأوان. الأوروبيون يرقبون بشيء من الحذر تصريحات المسؤولين البريطانيين خاصة بعد رفض زعيم العماليين جيريمي كوربين المشاركة في الحوار مع رئيسة الوزراء. بروكسل واعية بأن الأحداث الأخيرة عززت موقف تريزا ماي بالرغم من هزيمتها أمام مجلس العموم.

المفاوضون الأوروبيون تابعوا نجاة تريزا ماي من عزلها من رئاسة الحكومة من قبل النواب المحافظين، ثم هزيمتها التاريخية يوم الثلاثاء وقدرتها على مواجهة لائحة اللوم التي تقدم بها كوربين والخروج «منتصرة» بسبب خوف المحافظين من رجوع الحزب العمالي للسلطة. هذا المشهد أعطى تريزا ماي مساحة مناورة إضافية خاصة أنه لا يمكن عزلها مدة السنة المقبلة. في كل السيناريوهات الممكنة التي تواجهها، أخذ القرار يرجع حتما للحكومة و لا دخل للبرلمان فيه. و أكدت ماي للأوروبيين أنها « سوف تعمل على تحقيق الوعد المعلن لمواطني هذا البلد من أجل تجسيم نتائج الاستفتاء و الخروج من الإتحاد الأوروبي».

البدائل الممكنة
و لو أن الأوروبيين لا ينتظرون نجاحا مفاجئا من تريزا ماي قبل 29 مارس موعد الطلاق فإنهم يأخذون بعين الاعتبار كل الاحتمالات و في طليعتها طلاق «بدون اتفاق». وهو السيناريو الكارثة للطرفين. لكن المسؤولين في بروكسل أعربوا عن عزمهم «إعانة» الحليفة السابقة للتوصل إلى حل يرضي الجميع.
أول الحلول الممكنة تتعلق بتمديد موعد الخروج لفترة أخرى، إلى جويلية 2019، و لو أن هذا السيناريو يحدث شغبا إضافيا بسبب الانتخابات المبرمجة لماي 2019. لكن الأوروبيين حددوا الموافقة على التمديد بتقد يم تريزا ماي حلا بديلا يرضي مجلس العموم البريطاني. و أوضح ميشال بارنيي أنه في صورة غيرت بريطانيا خطوطها الحمر المتعلقة بالخروج من الاتفاق الجمركي يمكن الدخول في نقاشات إضافية.

السيناريو الآخر الذي يشغل بال الطبقة السياسية و الأوساط المالية في لندن هو تنظيم استفتاء ثان بعد رفض مجلس العموم الاتفاق المبرم. الرجوع إلى الشعب له معارضوه من بين رافضي الإتحاد الأوروبي الذين هم متمسكون بنتائج استفتاء البريكسيت. في صفوف حزب تريزا ماي هنالك مجموعة من الوزراء المستقيلين و من النواب الذين شرعوا في حملة وطنية من أجل استفتاء ثان يعطي الكلمة للشعب. آخر الأنباء أشارت إلى تكوين مجموعة من النواب العماليين الذين طالبوا زعيمهم جيريمي كوربين بتغيير موقفه و قبول هذا السيناريو. من ناحية أخرى، التحقت أحزاب أسكتلندا و الحزب الليبرالي الديمقراطي و حزب الخضر بهذا السيناريو.
لكن تريزا ماي أعلنت مرارا أنها لا توافق على تنظيم استفتاء ثان. و القرار يرجع في الأخير للحكومة. يبقى في صورة مأزق نهائي أما رئيسة الوزراء أن تلغي البريكسيت كما هددت به قبل تصويت البرلمان. هذا الإجراء ممكن حسب القوانين الأوروبية. في الأخير، تبقى الاحتمالات مفتوحة أمام الأوروبيين لمواجهة البريكسيت.

المشاركة في هذا المقال