Print this page

رسالة من إيمانويل ماكرون للشعب الفرنسي: الحوار الوطني للخروج من منطق «الحرب الأهلية»

أرسل الرئيس إيمانويل ماكرون ليلة الأحد 13 جانفي رسالة للشعب الفرنسي تحدد الإطار العام

للحوار الوطني الذي ينطلق يوم الثلاثاء 15 جانفي في كل أنحاء البلاد في أجواء مشحونة بعد رجوع «السترات الصفراء» للإحتجاج مجددا يوم السبت بأعداد أكثر من تلك التي سجلت في الأسبوع الماضي. و تحتوي الرسالة على 33 سؤالا يطرحهم رئيس الدولة كإطار عام للحوار الذي سوف ينظم على المستوى المحلي في مقر البلديات. و ذكر قصر الإيليزي أن الرئيس ماكرون سوف يترأس عددا من الحوارات في بعض الجهات على أن يتولى العملية على المستوى الوطني وزيران هما سباستيان ليكورنو و إيمانويل فارغون.

33 مقترحا تعلق جلها بالنقاش في نوعية العقد الإجتماعي و النظام اللائكي و إعادة النظر في هياكل الدولة (المؤسسات المنتخبة والإدارة و الجماعات المحلية) من أجل تحسين مردودها. و شملت الأسئلة المطروحة من قبل ماكرون مسائل وردت ضمن مطالب «السترات الصفراء» منها قضية الضرائب والخدمات العمومية و تغيير النظام الإنتخابي نحو أكثر تمثيلية للأحزاب و إرساء اللجوء إلى الاستفتاء وسبل مشاركة المواطنين في أخذ القرار. و أخذت مسألة التحول الإيكولوجي و كيفية تمويله حيزا واضحا في الرسالة . كما تعرضت لمسألة الهجرة و طريقة تنظيمها.

و ذهبت ردود الفعل من المعارضة في اتجاه انتقاد الرسالة و مضمونها معتبرة أن الرئيس أراد إرساء الحوار الوطني للهروب من المسائل الأساسية التي طرحها الشارع الفرنسي خاصة مسائل التراجع عن الضريبة على الثراء والزيادة في الأجور و الاستفتاء الشعبي الذين لم تذمرهم رسالة رئيس الدولة. وقررت الأحزاب الراديكالية، و على رأسها حزب جون لوك ميلونشون فرنسا الأبية و حزب مارين لوبان التجمع الوطني عدم المشاركة في الحوار الوطني في حين قرر الحزب الاشتراكي الالتحاق بمقترح الرئيس. أما من ناحية «السترات الصفراء» فعبرت بعض الفصائل عن عدم اكتراثها بالإستشارة. و قد سبق أن بدأت الاستشارة في مقرات البلديات منذ 15 ديسمبر و جمع رؤساء البلديات كميات هائلة من الاقتراحات دونت في سجلات خاصة سوف ترفع للسلطات العليا في نهاية جولة الحوار. و لا يعرف إن كان عزوف المعارضة سوف يكون له تأثير على مخرجات الحوار.

أجواء «حرب أهلية»
مقترح الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي أريد به أن يكون مخرجا ديمقراطيا لأزمة سياسية عميقة دامت إلى حد الآن 9 أسابيع متتالية و بدون انقطاع خرج فيها عشرات الآلاف من المواطنين للتظاهر في أكثر من 800 نقطة في التراب الفرنسي و في كل المدن الكبرى للتعبير عن الغضب من غلاء المعيشة و ارتفاع الأسعار و الرفع في الضريبة على المحروقات قبل أن يتطور ذلك إلى مطالب سياسية «ثورية» باستقالة الرئيس ماكرون والإطاحة بالحكومة.
وتخللت أيام المظاهرات أعمال عنف و تخريب شاركت فيها فصائل من اليمين المتطرف و اليسار الراديكالي الذين التقوا في سخطهم على النظام الاجتماعي و السياسي السائد منذ أربعين سنة و الذي، حسب الشعارات المرفوعة، لا يخدم إلا فئة الأثرياء. و أعطت الاحتجاجات العنيفة التي خربت الممتلكات العامة و الخاصة و حرقت السيارات والمعدات البلدية في الشوارع صورة لدى الرأي العام الدولي على اندلاع «حرب أهلية»، خاصة بعد التهجم على مؤسسة الرئاسة و دهس وزارة الناطق الرسمي باسم الحكومة واستخدام العنف ضد رجال الأمن وحرق سياراتهم و الاعتداءات المتكررة ضد الصحافيين و الإعلاميين في مختلف المدن الفرنسية من قبل أشخاص ينتمون لحراك «السترات الصفراء».

معركة سياسية
و إن التحاق الأحزاب الراديكالية، التي لم تقبل منذ اليوم الأول بنجاح ماكرون في الرئاسية، بالحراك الشعبي لتغذيته و استخدامه لمصالح انتخابية فتح الباب أمام معركة سياسية تجانب حملة الانتخابات الأوروبية المبرمجة لشهر ماي القادم. و في غياب صوت قوي آت من الأحزاب الحكومية التقليدية (الحزب الاشتراكي و حزب الجمهوريين) التي خسرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2017 و انحلت لتفرز مجموعات سياسية متناحرة لا رابط بينها، بروز الأحزاب الراديكالية كبديل لنظام إيمانويل ماكرون يعيد هيكلة المشهد السياسي الفرنسي نحو استقطاب جديد من نوعه. إذ لا يوجد مبدئيا رابط سياسي بين اليمين المتطرف و اليسار الراديكالي. لكن مشاركتهما في حراك «السترات الصفراء» معا للتظاهر ضد إيمانويل ماكرون و مشروعه السياسي لا يخدم مشروع التناوب على السلطة. آخر عمليات سبر الآراء أبرزت تقدما ملحوظا لمارين لوبان لكن نسبة الرافضين للتحالف بين الجانبين المعارضين لماكرون وصلت 80 % .

هذا ما يفتح لماكرون بابا للخروج من الأزمة الحالية إذا ما تمكن من تنظيم الحوار الوطني بنجاح و ضمن مشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين لإضفاء «شرعية شعبية» متجددة واستجاب لرغبات المشاركين في عملية ديمقراطية تشاركية من نوع جديد في فرنسا كان وعد بها الرئيس في حملته الانتخابية دون الشروع فيها عند توليه السلطة. و كأن المواطنين ، عبر أزمة «السترات الصفراء»، أرادوا إجباره على هذه العملية الديمقراطية الموعودة لتكريس مبدأ سيادة الشعب. الحوار الوطني سوف ينتهي في مارس المقبل أي شهرين قبل موعد الانتخابات الأوروبية التي يريد إيمانويل ماكرون من خلالها استعادة البريق الذي فقده بعد 18 شهرا من ممارسة الحكم. إن استجاب لرغبات شعبه قبل موعد اٌقتراع سوف يكرر نجاحا آخر يخرجه من خطر استفحال الأزمة والمضي نحو المجهول.

المشاركة في هذا المقال