Print this page

الكاتب والمحلّل السياسي السوري د. سومر صالح لـ«المغرب»: «أمريكا تسعى للاستثمار التفاوضي لقرار الانسحاب من سوريا في أكثر من ملف إقليمي»

قال الكاتب والمحلل السياسي السوري د. سومر صالح لـ«المغرب» أن أحد أهم أسباب إعلان الرئيس الأمريكي

التباطؤ في الانسحاب العسكري من سوريا هو عدم انسحاب ما يسمى التحالف الدولي من منطقة الشرق السوري . وتابع ان التنسيق الأمريكي بخصوص الملف السوري مع تركيا من جهة وحلفاء واشنطن من العرب من جهة مقابلة سيحول واشنطن من طرف في الصراع بين حلفائها إلى طرف يدير الصراع بين حلفائها.

• اولا لو تقدمون لنا قراءة في متغيرات المشهد السوري سياسيا وميدانيا مع بداية العام 2019 ؟
سلسلة من المتغيرات والأحداث شهدتها الساحة السورية بدءا من زيارة الرئيس السوداني إلى دمشق، والقرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا ومن ثم زيارة اللواء علي المملوك إلى مصر ومن ثم فتح السفارات (الإماراتية والبحرينية...) وعودة العرب تدريجيا إلى دمشق لنصل إلى المتغير الأهم وهو دخول طلائع الجيش السوري منطقة منبج ، ومن الواضح أن هذه الأحداث هي مترابطة بصيغة ما، ولفهم هذا الترابط يجب أن نفهم خلفيات ودوافع الانسحاب الأمريكي من سوريا وبأي طريقة تم اتخاذ القرار؟ وهل هو نهائيّ؟فمن المؤكد أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا كان منسقاً بشكل كامل مع تركيا في الاتصال بين الرئيسين أردوغان وترامب (14 /12 /2018)، ولكن السؤال المطروح هل كان هذا الانسحاب منسقاً بين واشنطن وحلفائها العرب أيضاً، والجواب على هذا التساؤل يدخلنا في افتراضين للتحليل ولكن مختلفين في النتائج في محاولة فهم ما جرى:
الافتراض الأول: أنّ الانسحاب الأمريكي كما كان منسقا بين واشنطن وتركيا هو منسق أيضا مع حلفاء واشنطن من العرب، في محاولة احتواء أمريكي (استباقي) لجموح تركيا في سعيها لملئ الفراغ الأمريكي، عبر إيجاد واشنطن داعمين إقليميين (للكرد)..، وفي ذات الوقت احتواء ردة الفعل السورية وحلفائها في سعيهم لاستعادة كامل منطقة شرق النهر، وبالتالي التنسيق الأمريكي مع تركيا من جهة وحلفاء واشنطن من العرب من جهة مقابلة (سيحول واشنطن من طرف في الصراع بين حلفائها إلى طرف يدير الصراع بين حلفائها) وسيخرج الأمريكي من معضلة شرق سوريا بأقل الخسائر ولو كلفه ذلك «إعلان هزيمته» في سوريا، وعندها لا تركيا قادرة على الهجوم لأنها ستواجه سوريا وحلفائها في محور مكافحة الإرهاب إضافة إلى داعميها الجدد في وجه تركيا وهم الإمارات ومحورها، ولا الكرد سيكون عرضة لحرب شرسة من تركيا، وبذات الوقت لن يكون الخيار العسكري مطروحا -راهنا- لدى محور مكافحة الإرهاب في تعاطيه مع مسألة شرق النهر، طالما هنالك أفق لتسوية سياسية على ما يبدو أنها ستكون برعاية إقليمية وروسية تضمن وحدة أراضي الدولة السورية وسيادتها ضمن (صيغ سياسية سيتفق عليها)..، ودائما ما كانت دمشق تسعى إليها (الحلول السياسية والمصالحة الوطنية) باعتبارها أولوية دمشق وتعتبر الحل العسكري آخر الحلول على الإطلاق.

• ماذا بخصوص الفرضية الثانية؟
الافتراض الثاني: أنّ الانسحاب الأمريكي هو منسق مع تركيا وغير منسق مع حلفائها العرب، لأنّ الأولوية الأمريكية تقتضي استعادة تركيا إلى المشروع الأمريكي بأيّ ثمن، فمسألة تنامي الشراكة الروسية التركية تعد مسألة أمن قومي أمريكي، فسارعت واشنطن إلى مشروع بيع (120) مقاتلة حديثة إلى تركيا وتوقيع عقد بقيمة(3.5) مليار دولار لبيع واشنطن منظومات باتريوت محدثة إلى تركيا، وانسحبت من سورية لصالح أردوغان (ضمن صيغة متفق عليها بينهما) ..، هذا الأمر يعني ضرباً للأمن القومي العربي لأنه يعيد الذاكرة الشرق أوسطية إلى مشروع أوباما / أردوغان في العام 2011 للإسلام السياسي، وقرار ترامب الأخير يفهم منه تبني للمشروع التركي الجديد (العثمانية-الطورانية) والذي حتما سيصل عروش الخليج سيما بعد دعم الأطراف العربية لمحاولة الانقلاب التركية (2016) وخلافات أخرى، وهذا الافتراض يتطلب دعما سريعا من العرب لدمشق في مواجهة تركيا (خيار الضرورة القصوى العربي) لأن هزيمة الأتراك في سورية ستمنع وصول المشروع التركي اليهم، فتُفهم سلسلة المتغيرات الأخيرة التي جرت ضمن هذا الافتراض.

• اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب التباطؤ في خطة الانسحاب مالذي يعنيه ذلك؟
حتى الآن حسم أحد هذين الافتراضين السابق ذكرهما يحتاج إلى مزيد من المعطيات في التحليل، ولكن جملة من المعطيات تشير مؤقتا إلى غلبة الافتراض الأوّل على الثاني في التحليل، معزّزة بما يلي:إعطاء واشنطن مهلة مبدئية (60 - 120) يوما للانسحاب، وهي مهلة طويلة لانسحاب (2130) عنصرا أمريكيا من سوريا، واحتمال أن تتراجع الإدارة عن مهلتها الزمنية وألا تحدّد جدول زمني واضح بما يعني استمرار الحال على ما هو. إضافة إلى كون الانسحاب تدرجي وبطيء.
عدم انسحاب ما يسمى التحالف الدولي من منطقة الشرق السوري وبقائه إلى الآن، بما فيها المقاتلات الأمريكية. وكلام جيمس جيفري (4 /12 /2018) وهو منسق السياسة الأمريكية تجاه سوريا بعد اجتماع ما يسمى «المجموعة المصغرة حول سورية» عن خيارات ترامب بتطبيق نموذج (المراقبة الشمالية) الذي طبق في العراق (1997 - 2003) بمعنى عدم تواجد بري والاحتفاظ بالتواجد الجوي فقط وهو أحد مظاهر عمليات «حظر الطيران».
زيارة الرئيس ترامب إلى قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية على حدود سوريا وإطلاقه تصريحات استفزازية باستخدام هذه القاعدة وغيرها لضرب أهداف في سوريا.وتشير هذه المعطيات إلى منطقية الافتراض الأول في التحليل وهو تنسيق ترامب لقرار الانسحاب بين تركيا وحلفائه العرب كل على حدة بما يخدم المخطط الأمريكي، وحال فشل هذا التنسيق الأمريكي المزدوج سيكون سيناريو (جيفري) على رأس خيارات ترامب.

• ماهي أسباب هذا التباطؤ الأمريكي في الانسحاب من سوريا؟
قبل الإجابة عن هذا التساؤل ينبغي التحديد بدقة هل كان قرار إعلان الانسحاب الأمريكي من سوريا هو قرار نهائي أم مناورة سياسية؟، وباعتقادي هو قرار مشروط بنجاح ما يمكن تسميته «مسعى أمريكي» واضح المعالم يتجسد في:تحويل المعضلة الأمريكية إلى معضلة روسية وتركية بمعنى (عدم القدرة على الهجوم وعدم القدرة على الصمت)، بعد أن كان الأمريكي غير قادر على الانسحاب وغير قادر على البقاء لأنه سيفقد نصف حلفائه أي أما تركيا أو دول الخليج ومصر. وفرط صيغة استانة الثلاثية (روسيا، تركيا، إيران). و دور عربي موازن لكل من إيران وتركيا في سوريا.
وعليه يمكن تحديد أسباب التباطؤ الأمريكي بما يخص بيئة الأزمة السورية ب:ضمان عدم وقوع أي عملية عسكرية ضد الأكراد من أي طرف. ومراقبة السياسات التركية تجاه روسيا وهل بدأت تدخل نفق الصدع والفراق بعد الشراكة. وايضا مراقبة مآلات العلاقة الإيرانية -العراقية -السورية لأن التغيرات التي أعقبت قرار الانسحاب ليست في صالح استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط.
كما ان الاستثمار التفاوضي لقرار الانسحاب في أكثر من ملف إقليمي منها مثلا الملفات المتعلقة بإيران والقضية الفلسطينية.ولا يمكن تجاهل عاملين أساسين مرتبطين بالإقليم:
الانتخابات المحلية التركية فتركيا تحتاج هذا البقاء (أردوغان) لاستثمار العدالة والتنمية فيه انتخابيا، فالانسحاب الأمريكي الكامل سيفوت فرصة بقاء التحالفات التي تكفل فوز العدالة والتنمية، ناهيك عن حالة عدم استقرار سترافق هذه الانتخابات في جنوب وجنوب شرق تركيا.
والعدو الصهيوني الذي يتهيأ للانتخابات البرلمانية (الكنيست) يحتاج هذا البقاء (نتنياهو) لأن من المتوقع تصعيدا عسكريا على الجبهة الشمالية والوجود الأمريكي سيخدم هذه النقطة.

المشاركة في هذا المقال