Print this page

منبر: ليبيا.. سيادة منتقصة أم وصاية قادمة؟ مبررات ودوافع التدخل العسكري في ليبيا؟ (الجزء الثاني)

د. محسن  ونيس القذافي  (مستشار ليبي)
تهديدات كبيرة وكثيرة أطلقها النظام الليبي السابق بشأن التحكم الوطني في مصير مستقبل النفط والتقليل من

الإنتاج، وطرد الشركات الأجنبية « تأميم آخر جديد من ضمن سلسلة تقلبات السياسة الليبية وتناقضاتها»، ولبيئة الأعمال والوظائف والشركات، كلها أعطت إشارات غامضة ومهددة ومزعجة لمستقبل إستقرار الإستراتيجية الطاقوية الأمريكية بليبيا، وهو ما تسرب من خلال وثائق «ويكيليكس» في موقف السفير الأمريكي القلق وبرقيته لحكومته ذاكراً «انه من الظاهر ان الليبيين سيسلكون بوتيرة متصاعدة سياسات وطنية في قطاع الطاقة التي يمكن ان تهدد الاستغلال الأمثل لاحتياطيات ليبيا الهائلة من النفط والغاز». كما أشارت برقية من الرئيس التنفيذي لشركة كونوكو فيليبس عام 2008، بعد لقاء جمعه بالقذافي، انزعاجه وقلقه من إمكانية إتخاذ الدولة الليبية قرارات بشأن تخفيض الإنتاج النفطي، ومشروعات بطرد الشريك الأجنبي.

كما اشارت صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 11 جوان 2011 الى اتخاذ ليبيا خطوات عملية في هذا السياق حيث قامت بتعديل قوانين العمل من اجل تأمين فرص العمل، وقامت بالضغط على الشركات لتوظيف ابناء البلد في مواقع قيادية.

الحماية الدولية؟
إن التدخل الذي يستند إلى القوة، من وجهة نظر القانون الدولي يثير جملة من التحفظات، حيث إنتقل المفهوم من كونه مانعاً للتدخل، الى مبدإ شرعية التدخل، وهو ما يؤثر في جدلية السيادة.

يعد مفهوم النظرية الكونية مثالاً قويا في دعم جهود الدبلوماسية وعدم الشروع في التدخل العسكري، وهي نظرية متوافقة مع السيادة للدولة او ما يسمى بالنظرية الواقعية أو سيادة الدولة، في مقابل النظرية الكوسموبوليتانية، وبين تلك النظريات يتم الإنتقاء والتصرف المطلق من مجتمع دولي، مهما كانت النتائج، حيث لم يوضع معيار أساسي للتدخل الإنساني، كما أن الواجب الأخلاقي يُعطي لتجنب الحرب الأولوية على نشر حقوق الإنسان.

لقد ذهب تقرير منظمة العفو الدولية، وثيقة رقم MDE/19/003/2012، والذي تم تقديمه في مارس بنفس العام، حيث خلص التقرير الي أن حلف الناتو قد ارتكب أخطاء «وهو ما أوضحه التقرير بقتل مدنيين، وتدمير منازل ليست عسكرية»، ومن ثم تسبب في خسائر. بالإضافة الى ما ذكره التقرير آنفاً، فإن هناك خسائر أخرى غير منظورة، وهو ما أكده ايريك هاينز بقوله النتائج التي توصلت اليها الدراسات الحديثة تبين أن الظروف التي تهدد الحياة بسبب النزاعات المسلحة لا تتوقف فقط على الخسائر البشرية في الفترة الزمنية الفعلية للصراع، بل تمتد الى ما بعد ذلك، وتزايد عدد الكتابات والبحوث التي توضح وتوثق البعد السلبي للتدخل العسكري من خلال تدمير الممتلكات العامة والخاصة، وتعطيل النشاط الاقتصادي والقضاء على مواد الرعاية الصحية» والتعليمية والثقافية.

نجد التطور (التأخر واقعاً) الليبي فـي سنوات تلت الإطـاحـة بالقذافي ليس ما يطمح اليه الليبيون ولم يعد متاحا،كما تبين ان الحالة الليبية تنحدر نحو مزيد من الإرباك مهدداً الوحدة الترابية ومصدر قلق لمحيطها الإقليمي وشمال المتوسط.

فهل نصف الحال اليوم بأنه ترجمة لحالة الدولة الضعيفة الهشة او الفاشلة؟ ام ان التدخل الإنساني والنتائج المتوقعة يصب تماماً في خانة تحقيق اهداف استراتيجية امريكية ؟ «ما يعرف بالفوضي الخلاقة» (علي غرار كافة التدخلات الدولية الأخرى كالعراق وأفغانستان والصومال)، أم أن هناك محاولة أمريكية بتفويض سلطات التحكم في شؤون ليبيا لبعض شركائه الأوربيين؟.

صراع المفوضين، فرنسا - إيطاليا
كما ذكرنا، بأن السياسة الطاقوية الأمريكية محدد لكافة التطلعات الإستراتيجية الأمريكية، وهو ما يثير الكثير من صراعات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العديد من مناطق العالم، واولوياتها في الشرق الأوسط تحديداً، ومحاولة خلق فرص الحماية الدولية لبعض شعوب العالم. إننا نشهد أيضاً، وبعد الإكتشافات الحديثة لعام 2010، في مناطق متاخمة لسوريا ولبنان والأردن، والشاهد الحاضر الصراع والحرب الدائرة بتلك المنطقة والتي لم تضع وزرها بعد، وهي أيضاً تنطلق من مقومات الحماية الإنسانية والشعارات ذاتها لمنظومة حقوق الإنسان.

ولكن الحالة كما أشرنا بالنسبة للموارد الحيوية الليبية، وأهمها في الوقت الحالي النفط والغاز، نجد أن الولايات المتحدة تعمل على إرضاء بعض الشركاء الأوربيين في منطقة الحوض المتوسط، وتحديداً «إيطاليا»، والتي تقترب جغرافيا بالدولة الليبية، وتتأثر سلبا وايجابا بالمناخ الاقتصادي، وبالأخص ملفي النفط والغاز، كما أن لها مشاريع إستراتيجية عظمي وإستثمارات عميقة تشكل مستقبل وشريان الحياة بها. كما أن الشريك الدائم المملكة المتحدة أو هكذا ترى وضعها، حيث ترى أنها جزء من الدولة الليبية وكانت سبباً في أسباب إستقلالها ونموها، ودعمت إنتفاضتها ضد المستعمر الإيطالي إبان الحرب العالمية الثانية. ففرقاء الأمس من الإتحاد الأوربي، أصدقاء اليوم وشركاء المستقبل في تقاسم ليبيا.

كما أن جمهورية فرنسا، وثقلها الاقتصادي والعسكري، ومناطق نفوذها في أفريقيا ومستعمراتها، وجنوب المتوسط وهو ما يمثل آفاق مستقبلها أو الرئة الثانية كما يصفها القادة الفرنسيين، وتدخلها في إنجاح الحملة العسكرية ضد ليبيا عام 2011 بقيادة الرئيس الفرنسي «ساركوزي»، وما توصل اليه الأطراف الدولية من إضفاء الصبغة القانونية لفرنسا لحمل الملف الثقيل الحالي للدولة الليبية، وإيجاد الحلول الناجعة لتوحيد المؤسسات وإيقاف الحرب الدائرة والإنفصال المرتقب، ومكافحة ملف الإرهاب وهو ما سيؤثر إيجاباً في حربها بجمهورية مالي، ويحقق الاستقرار لممالكها في المنطقة.

في ظل كل هذا، شهد الملف الليبي صراعا دولياً منذ الإطاحة بالنظام السابق، حيث فشل تحقيق المستهدف تحت مظلة الحماية، والآن نشهد موقفاً جديداً تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية «تفويض صلاحيات الدول» فهو منهج مغاير لمفهوم الوصاية، منهج ينطلق تأسيساً على نظام القطب الواحد، أو العولمة بكل معانيها، كما يدفعنا لتوقعات قريبة أخرى تشهد بضعف الشريك الأوروبي، وتفتت كيان وقرار الاتحاد الأوربي ككتلة واحدة وإمكانية الرجوع الي ما قبله. أما على الصعيد الليبي، فإن إستباق رئيس الوزراء الإيطالي بزيارته الولايات المتحدة في 30 جويلية 2018، لمنحه حقوق «التفويض» سيؤثر سلباً بالطبيعة علي دفع الملف القانوني الليبي لجمهورية فرنسا، كما سيعمل على خلط أوراق المصالح المختلفة بين الطرفين، فنجد التحمس الإيطالي، مقابل التأني الفرنسي،كما نجد التحيز الإيطالي في دعم السلطة التابعة للأمم المتحدة أقرب من تفاهماته مع مجلس النواب الليبي الشرعي، في غياب توجه واضح لجمهورية فرنسا تجاه الحل الأمثل للقضايا العالقة، مما سينعكس على الأداء الليبي القادم، إيجاباً لصالح «المجلس الرئاسي» «الصديق الإيطالي»، وسلباً، لمستقبل الوضع الراهن وبالأخص تحريك تفعيل عجلة السلم وإيقاف الحرب. كما سيحدد مصير النفط والغاز عبر الموانئ النفطية والصراع الدائر حول المؤسسة الليبية للنفط علي ملامح المحادثات القادمة والتوافقات أو الاختلافات المزمعة.

ويظل مستقبل ليبيا مرهون تحت «مفهومي السيادة المنتقصة، ووصاية قادمة».

المشاركة في هذا المقال