Print this page

منبر: الخوذ البيضاء ... الوجه الآخر للمنظمات الإنسانية المدعومة غربيا

حازم أحمد عباس
باحث سياسي
يمكننا القول أن حقبة الحروب واستراتيجيتها أيام السيوف والتروس والمنجنيق قد ولت مع اختراع أول اصبع ديناميت

والذي انتهى باختراع البنادق والرشاشات ومن ثم الدبابات والعربات وغيرها ليأتي عصر الصواريخ والطائرات، والذي انتهى أيضاً باختراع الأسلحة الاستراتيجية بشقيها الكيميائي والنووي ليودع العالم عصر الأسلحة التقليدية والاستراتيجية بعد واقعتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين كأبشع جريمة إنسانية مرت على تاريخ البشرية المعروف لتصبح بعدها كل تلك الترسانات التدميرية ولمجرد وجودها هي السلاح الجديد والذي تجلى بمفهوم أسلحة الردع.

وهنا تحديداً وعند هذه النقطة فإن العقل الاستعماري المنتصر بفعل الجريمة والمتعطش للاستمرار أوجد الجيل الجديد من الأسلحة الاستراتيجية بصبغة ناعمة تتمثل باختراع وتطوير وسائل الإعلام والهيمنة الثقافية، والتي تجلت بقدرات الدول الغربية على احتلال وتدمير العديد من دول العالم بتعاطف شعوب العالم نفسها بعد إقناعها عبر تلك الوسائل أن هذه الحروب هي من أجلهم ولتحريرهم بعد إقناعهم بقصورهم عن تحقيق ذلك بنفسهم. لتنتهي هذه الحقبة مع بداية أزمات المنطقة العربية والتي انفجرت بعد عشرات السنين من الضخ الإعلامي في عقول وثقافات الشعوب والدول لتبدأ مرحلة الحروب بالوكالة عبر اختراع وتدريب ودعم التنظيمات على أسس عرقية ومذهبية والتي استخدمت فيها كل أشكال الأسلحة السابقة تقريباً بدأ بالسيف وانتهاءً بالسلاح الإعلامي، لتغرق بعدها الكثير من مناطق العالم بالحروب الداخلية التدميرية الخالية من كل أشكال الوعي والإنسانية وبعد انكشاف تلك الفقاعة التدميرية وتحقيقها لغايتها بدأت الحاجة ملحة استعمارياً لخلق جيل جديد من الأسلحة التبريرية لتدخل مباشر من القوى الأصيلة الاستعمارية بغطاء إنساني...

وقبل الخوض في معنى وألية عمل تلك الأسلحة الحديثة نعود قليلا لنستذكر ما حصل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتهاء عصر الأسلحة التقليدية والتدميرية التي أسقطتها المواجهة المباشرة مع المانيا ولذلك تغير شكل السيطرة على العالم.. فمن الاستيلاء الوقح على الشعوب والدول إلى عملية احتيال وارتداء أقنعة تنكرية جميلة ..

بدأت باختلاق المنظمات الدولية المالية والاقتصادية منها والإنسانية فأصبح كلما أراد الاستعمار ضرب بلد ما ارسل اليه تلك المنظمات بأيدي بيضاء بالتوالي لتبدأ بتفتيته وتدميره حتى يصل إلى مرحلة الانقضاض التام عليه والحقيقة هي أن هذه المنظمات كلها منظمات إرهابية تعمل لحساب الاستخبارات في أحقر وسيلة تضليل للرأي العام في العالم ونجحت بذلك عندما ألبسها الاستعمار لباسا عالميا فهي لا تمثل أمريكا ولا الدول الأوروبية أو غيرها وإنما كل دول وشعوب العالم على حد زعمهم ،وهذا ما يفسر إصرار دول الغرب على أن تنشئ منظمات لا نهاية لها وفي كل المجالات تحت شعارات إنسانية أو أممية ..

الخوذ البيضاء
وكلما زادت شعارات الإنسانية فيها كانت أكثر وحشية كما الخوذ البيضاء التي لم تفعل شيئا واحدا أبيض كما نعلم فالخوذ البيضاء هي من ذات المؤسس والراعي الذي أنشأ كل منظمات حقوق الإنسان والعفو الدولية ومجلس حقوق الإنسان وكل مجالس ومنظمات الحفظ على السلام الدولي ومنع انتشار الأسلحة الكيماوية والنووية .. وبمعنى أدق فالخوذ البيضاء تحكي حكاية الأمم المتحدة نفسها ...وكل متتبع لمسار الأزمة السورية وقبلها الليبية والتونسية واليمنية في أروقة ومسارات الأمم المتحدة وصولاً إلى لجان التحقيق والتفتيش الدولية في العراق وسورية كان أخرها بعثة تقصي الكيميائي في الغوطة الشرقية والتي أتت وهي مقتنعة بأن ما سيؤخذ به هو تقرير سابق للعدوان الغربي وربما سابق لتوقيت الهجوم الكيميائي المزعوم نفسه .وهذا يؤكد خلفية وسياسة تلك المنظمات ومشغليها فبعد فشل الدول الغربية والاستعمارية في تلميع صورة المجموعات الإرهابية التي كانت تدعمها في العلن تارة وتصف بعضها بالإرهابية تارة أخرى لكن دعمها بالسلاح والعتاد والتغطية الإعلامية كانت متساوية حتى للتنظيمات الأخطر منها ك «داعش والنصرة» الإرهابيتين اذا لم يكن بالتلميع فبالتجاهل ومهاجمة الطرف الشرعي والذي هو الحكومة الشرعية السورية وشيطنتها...

ومن يرى ويتابع ويدقق في كلمات تلك المنظمات ويلاحظ سلوكهم يتيقن بأنهم ليسوا سوى الوجه الإعلامي للمجموعات الإرهابية الدولية حتى أصبحوا في بعض الأوقات يترأسون تلك الجماعات علانية بدءًا بترؤس وزير الخارجية الأمريكية جون كيري للوفد المعارض في جنيف وصولاً إلى العدوان الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي على سوريا بعد تهيئة المسرح والأسباب والأهداف والتي كانت رأس الحربة فيها هي ما يسمى بالخوذ البيضاء نفسها. لكن السؤال هو أين ومتى كانت تظهر تلك الخوذ البيضاء «ذات المهمة الإنسانية» هل ظهرت في مكان واحد تعرض فيه السوريون المدنيون لهجمات وحشية من قبل المسلحين وهل ظهرت خوذة بيضاء واحدة في أماكن قصف قوات التحالف للمدنيين في الرقة وحلب أو حتى في مناطق قصف القوات التركية لمناطق الأكراد... ولكن كل البراميل المتفجرة المزعومة كان ينتظرها دوماً أصحاب الخوذ البيضاء (الإرهابيون).. وكل الصواريخ والضربات الجوية السورية والروسية إلى مناطق تجمع المسلحين تداعى إلى مكان سقوطها أصحاب الخوذ البيضاء.. فما هذه الانتقائية التي لم يقع فيها أي خطأ واحد .. فهم يبرعون حتى في انتقاء ضحاياهم أيضاً بعد تهيئة المسرح عبر مشهد هوليودي يسبق كل تهديد وقرار أممي أو اجتماع لمجلس الأمن لإدانة الدولة السورية فما تلك الصدفة المترافقة بغطاء إعلامي غربي تحت ذريعة إنها إنسانية المهمة تجاه الشعب السوري وأنها تحظى بغطاء أممي.. إنها منظمات جريمة منظمة.. أي تحضر الهدف ومسرح العمليات لتبرير ارتكاب أعمال حربية قذرة وجرائم حرب وبعد عمليات الإجلاء الأخير التي حدثت في الجنوب السورية والتي هي اعتراف رسمي واضح بأن كلا من العدو الإسرائيلي والدول الغربية هي المؤسس والراعي لتلك المنظمة القذرة فيجب ملاحقتهم قانونيا وقضائيا فالجريمة لا تسقط حتى وان ألبست لباسا أمميا إنسانيا أو عالميا.

المشاركة في هذا المقال