Print this page

الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا لـ «المغرب»: « تغييرات السعودية يراد بها سدّ تصدّعات الرياض في جدار علاقاتها مع أشقائها ومحيطها»

• « داخليا التغييرات في السعودية تهدف لتخفيف التوتر داخل الأسرة الحاكمة »

قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا في حوار لـ«المغرب» ان حملة التغييرات الاخيرة التي اطلقتها المملكة العربية السعودية تحمل ابعادا داخلية تتعلق بمحاولاتها امتصاص الغضب داخل الاسرة الحاكمة الذي اشتدت حدته بعد تسمية محمد بن سلمان وليا للعهد ، مضيفا ان هذه القرارات تحمل ايضا ابعادا خارجية عسكرية بالأساس متعلقة بالفشل السعودي في الحرب اليمنية .وأضاف الخنسا ان هذه السياسة تأتي منسجمة مع دعوة البيت الأبيض للسعودية وجيرانها الخليجيين من أجل التركيز على «الخطر الإيراني» والعمل على إنهاء الخلاف الخليجي- الخليجي.

• اولا لو تقدمون قراءتكم للتغييرات التي تجريها المملكة العربية السعودية على الصعيد الامني والسياسي ؟
في الحقيقة إن الأوامر الملكية الـ 38 التي أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز دفعة واحدة الاثنين، تحمل بين طياتها أهدافا تتعلّق بأمرين:

1 - تخفيف التوتر داخل الأسرة الحاكمة على خلفية القرارات السابقة التي اتخذها الملك السعودي وأدّت إلى تمكين نجله محمد من ولاية العهد بدون أية منافسة.

2 - البدء بتنفيذ خطوات إجرائية من شأنها أن تساعد في «هندسة» شكل المملكة للمرحلة المقبلة، وفقاً لـ«نصائح» أمريكية للملك ونجله بـ«تهدئة اللعب» والكف عن إثارة الغبار من حولهما، ما من شأنه ان يؤثر سلباً على الخطط المشتركة بين البلدين للمرحلة المقبلة.وفي هذا السياق، وجدنا أن الأوامر الملكية السعودية التي صدرت منحت مناصب لوجوه من أجنحة كان ولي العهد اتخذ خطوات إقصائية حيالها.

مثل الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، والأمير فهد بن بندر بن عبد العزيز، والأمير فيصل بن تركي بن عبد العزيز ، والأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز، والأمير فيصل بن فهد بن مقرن بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن أحمد بن عبد العزيز، وجميعهم من أبناء أنجال الملك المؤسس وأحفادهم الذين تم «إغضابهم» عبر حزمة الاوامر الملكية التي أصدها الملك سلمان منذ مبايعته.

• هل ستنجح هذه الخطوات في امتصاص الغضب داخل البلاط الملكي السعودي ؟
أثبتت ردود الفعل السابقة حيال قرارات الملك وولي عهده، عدم تأثيرها بشكل سريع ومباشر على المسار الذي رسماه في طريقهما لتولي زمام الحكم في المملكة.لكن على المدى الطويل، كان تراكم النقمة، وخصوصاً بعد حملة «التطهير» في الريتز، مضافاَ اليها تدهور الأوضاع المعيشية في المملكة، يؤرّق العائلة الحاكمة.
اليوم، ومع هذه القرارات، وإعادة الاعتبار لقسم مهم من العائلة ممّا تم اقصاؤهم سابقاً، وخصوصاً من السيديريين أنجال الملك المؤسس ،قد يساهم ذلك في إخماد ما أمكن من حالة الحنق والغضب والتململ داخل العائلة، إلا أن الوضع الاقتصادي الضاغط والقرارات «الاستراتيجية» على مستوى التحوّل الاجتماعي داخل المملكة قد تخلق الكثير من المشاكل لولي العهد.لهذا، بدا الملك ونجله حريصَين على التهدئة داخلياً في مسعى لخلق استقرار يمكّنهما من تحقيق رؤيته الاقتصادية.

• هذا على الصعيد الداخلي ماذا عن الصعيد الاقليمي والدولي ؟ مالذي اخذته السعودية مقابل هذه التغييرات ؟
على الصعيد الخارجي، لا شكّ أن سبباً أساسياً من أسباب هذه التغييرات، كان فشل العدوان على اليمن، ولذا نرى أن العنوان الأبرز لهذه التغييرات كان «تطوير وزارة الدفاع»، وبالتالي شملت التغييرات مراكز مهمة في الجيش والقوات المسلحة.
فمثلاً شملت التغييرات رئيس الأركان وقائد قوات الدفاع الجوي وقائد القوات البرية وقائد قوة الصواريخ الاستراتيجية.سبق هذه التغييرات إقرار وثيقة تطوير وزارة الدفاع التي شملت النموذج التشغيلي المستهدف للتطوير، والهيكل التنظيمي، والحوكمة، ومتطلبات الموارد البشرية، التي أعدت على ضوء استراتيجية الدفاع الوطني».هذه التغييرات المتعلقة بإدارة المعركة ضد اليمن، ترافقت مع إشارة هامة على الصعيد الخارجي أيضاً، تمثّلت في زيارة الموفد الملكي السعودي نزار العلولا إلى بيروت، ولقائه الرؤساء الثلاثة من بينهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان محتجزاً في الرياض قبل أشهر.
وما رافق هذه الزيارة من حديث عن عزم السعودية إعادة وصل ما انقطع مع لبنان بفعل احتجازها لرئيس حكومته. وما نُقل عن العلولا من مواقف ملكية سعودية إيجابية تجاه لبنان بعد فترة من التوتر العالي.إذاً، فالتغييرات السعودية في هيكلية الجيش وبعض المناصب الأساسية، ترافقت مع تغييرات خارجية أرادت من خلالها المملكة سدّ ما أمكن من تصدّعات في جدار علاقاتها مع أشقائها ومحيطها.
هذه السياسة تمهّد الطريق أمامها للتركيز أكثر على إيران كـ«عدو» مشترك لها ولواشنطن وتل أبيب.وهذا يأتي منسجماً مع دعوة البيت الأبيض للسعودية وجيرانها الخليجيين من أجل التركيز على «الخطر الإيراني» والعمل على إنهاء الخلاف الخليجي الخليجي.
وفي هذا الإطار أيضاً، يأتي عزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقد لقاءات منفصلة مع قادة خليجيين الشهر المقبل من أجل التوصّل إلى حل للأزمة الخليجية لـ«السماح بتركيز أكبر على الشؤون الإستراتيجية الأخرى، مثل إيران».

• هل ستنجح المملكة في سد التصدعات الداخلية وخلق مناخ منسجم مع جيرانها اقليميا رغم ماتعيشه المنطقة من تطورات متسارعة ، واذا وجُدت موانع امام ذلك فماهي ؟
تحكم السياسات السعودية في المرحلة المقبلة ثلاثة اعتبارات تتشابك وتتكامل مع بعضها البعض:

1 - المسار الداخلي المتعلق بتثبيت الاستقرار السياسي والاجتماعي لإطلاق عجلة التحوّل الاقتصادي الموعود.
2 - العمل مع الأمريكيين على تكريس صفقة القرن كأمر واقع، ومحاولة وضع حدّ للقضية الفلسطينية، وبالتالي إغلاق ملفات كثيرة شائكة ذات صلة، وعلى رأسها المقاومة.
3 - التركيز على محاربة إيران كعدو استراتيجي للسعودية.
وعليه، قد ينجح ترامب بعد لقاءاته المرتقبة مع الزعماء الخليجيين في شهري افريل وماي المقبلين، في وضع حدّ للأزمة الخليجية، التي أصبحت هامشية بالنسبة للسعودية مقارنة بالمسارات الثلاثة أعلاه.وأيضاً، قد تجد السعودية نفسها مضطرة لـ«تهدئة» اللعب على أكثر من ساحة، بضغط أمريكي، كي لا يتشتت التركيز والجهود في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة من المسارات الثلاثة.

المشاركة في هذا المقال