Print this page

المسألة الكورية وأثرها على السلم العالمي: الواقع والآفاق

خصائص التجربة الكورية الجنوبية وكيفية الاستفادة منها وتبادل الخبرات مع العالم العربي، وكذلك وضعية حقوق الانسان والانتهاكات الحاصلة في كوريا الشمالية والتصعيد الاخير في بيونغ يانغ واثره على السلام العالمي ، هي

ابرز المحاور التي تم التطرق اليها في ندوة «المركز المغاربي للدراسات والبحوث والتوثيق» المنعقدة اول امس في العاصمة، بمشاركة باحثين ومختصين كوريين ،عرب واجانب..

وأكد المجتمعون ضرورة تسليط الضوء على التجربة الكورية الجنوبية واخذ العبرة منها من اجل النهوض بالعالم العربي في خضم هذا الظرف الصعب.

حقوق مغتصبة
شونغ سونغ الباحثة الكورية الجنوبية في مركز البحوث والدراسات حول حقوق الانسان في كوريا الشمالية قالت ان المركز منذ انشائه سنة 2003 وضع برنامج عمل على حقوق الانسان وكيفية مساعدة العائلات الكورية المضطهدة واللاجئين الهاربين من بطش نظام بيونغ يانغ.

وقالت:«ان كوريا الشمالية هي اكثر الدول المنغلقة في العالم ولا تسمح مطلقا بمعاينة دولية جدية لكل الاحداث التي تحصل على ارضها. لكن الجميع اخذ علما بما يحصل الان في كوريا الشمالية وذلك لان العديد من الكوريين الشماليين تمكنوا من اجتياز الحدود باتجاه الصين». اوضحت ان سيول اهتمت بوضعية هؤلاء اللاجئين وركزت خاصة على معرفة الاسباب التي دفعت هؤلاء الى النزوح والهجرة والمخاطرة بحياتهم ليصلوا الى سيول .

فتحدثوا عن عائلاتهم عن نظام الحكم الفردي وعن القمع الذي تعرضوا له من قبل الشرطة».

واوضحت ان مركز «كي بي دي» وضع قاعدة بيانات لحقوق الانسان سنة 2003. وقام بالعديد من اللقاءات في انحاء العالم مع الكثير من الهاربين من كوريا الشمالية والذين دخلوا الى كوريا الجنوبية..». واضافت ايضا ان المركز لعب دورا هاما في الاحاطة النفسية لهؤلاء النازحين حتى يتعودوا على حياتهم الجديدة. وقد وجه لهم 84 سؤالا يتعلق بالعنف الذي تعرضوا له .

. واشارت الى ان مركز الدراسات اصدر كتابا ابيض خاصا بوضعية حقوق الانسان في بيونغ يانغ .. ولفتت ايضا الى مأساة العمال الكوريين الشماليين الذين يتم استقدامهم للعمل في عديد الدول حول العالم في حين ان نظام بيونغ يانغ ياخذ قسطا هاما من مرتباتهم وعائداتهم من اجل التسليح..

من جهتها عرضت ناشطة حقوقية كورية شمالية ايضا تجربتها الاليمة مع السجن الكوري الشمالي وقصة هروبها ..مستعرضة ما تعرضت له من انتهاكات لحرمتها النفسية والجسدية ..واشارت ايضا الى انها دفعت ثمنا باهظا جراء محاولتها الهرب وهي فقدان طفلها الذي ابقاه نظام بيونغ يانغ رهينة مسلطا عليه شتى انواع العقاب النفسي والجسدي المهين ..حكاية هذه الناشطة الحقوقية الكورية تماهى معها بعض المتدخلين والحضور ومنهم نشطاء فلسطينيون رأوا ان هناك جوانب مشتركة بين الوضع في كوريا الشمالية وفلسطين المحتلة ..مؤكدين ان الكيان الصهيوني يسلط عقوبات كبيرة وانتهاكات جسدية ونفسية بحق النشطاء الفلسطينيين المدافعين عن حقوقهم وحريتهم ووطنهم المحتل.

القضية الكورية والسلام العالمي
بيار ريغولو الباحث الفرنسي المختص في المسألة الكورية اشار من جهته الى انه من الاهمية بمكان احتضان ندوة تتطرق الى الازمة في شبه الجزيرة الكورية ..لما لها من تأثير على السلام العالمي. مشددا على اهمية الحديث عن وضعية حقوق الانسان في بلد تجمعه ثنائية الحرب والسلم اي كوريا الشمالية.

وتساءل الباحث الفرنسي، كيف يمكن ان نتعاطى مع مسألة السلام في العالم»..وتابع بالقول :«ان هناك مشكلة لحقوق الانسان في كوريا الشمالية..وهذه الحقوق منتهكة ولا استطيع ان اقدم اي شيء جديد للجميع لأنها مسألة معلومة. لقد كتبت شخصيا كتابا انطلاقا من سيرة حياة مواطن كوري شمالي قضى في السجن اكثر من عشر سنوات بصحبة ابنته. فكوريا الشمالية هي المكان الذي يقع الزج فيه بطفلة في معتقل لمدة 10 سنوات».

واضاف :«ان ما ذكره لي هذا الكوري الشمالي وما نشر في الكتاب قد تأكد فيما بعد من خلال عشرات الشهادات لكوريين شماليين حول حقوق الانسان في كوريا الشمالية. الامر دفع الامم المتحدة الى اصدار تقرير مفصل حول الانتهاكات القصوى لحقوق الانسان في كوريا الشمالية». واوضح ان هناك تمييزا طبقيا في كوريا الشمالية بين ابناء الشعب الواحد فهؤلاء مقسمون بين «الموالين، المترددين، والمناوئين اوالرافضين».

هذا التقسيم – بحسب الباحث والناشط الحقوقي الفرنسي - يحدد معيار الولاء للنظام و يحدد ايضا المستوى الذي يقدم لهؤلاء الافراد فيما يتعلق بحياتهم المعيشية اليومية من تغذية وسكن وصحة وغيرها . وقال ان نظام بيونغ يانغ يقدم للمواطنين المتفانين شققا سكنية شرط اعلان ولائهم للنظام».

وقد ندد تقرير الامم المتحدة بالعقوبات التي تسلط على الناس لأخطاء صغيرة جدا في ظل غياب حرية التحرك والتنقل والحرية الدينية وحرية المعتقد وغياب حرية الاعلام والتعبير وحرية الاجتماعات والتنظم. واشار ايضا الباحث الى تقرير الامم المتحدة الذي القى الضوء على الرقابة المسلطة على المحطات الاذاعية، اذ يمنع الاستماع او مشاهدة اغنيات او محتوى متأتي من دول اجنبية تعتبر عدوا». ولعل اخطر الانتهاكات التي تسلط على ابناء الشعب الكوري الشمالي تلك المتعلقة بنظام التربية والتعليم حيث يستعرض التقرير الخاص بالأمم المتحدة كيفية غسل دماغ الأفراد منذ الطفولة لتنشئتهم على الولاء الاعمى والمطلق للنظام.

الدور الصيني المزدوج؟
وفي رده على سؤال «المغرب» فيما يتعلق بدور الصين المزدوج في هذه المسألة اجاب :«ان الصين تجد نفسها امام تناقضين ، فهي من ناحية لا تتمنى انهيار كوريا الشمالية ولكنها في المقابل تريد الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، لأن الاستقرار في هذه المنطقة يضمن انسياب التبادل التجاري بين الصين وكوريا الجنوبية ولهذا عوائد هامة على الاقتصاد الصيني، كما ان هذا الاستقرار يشجع المستثمرين على الاستثمار في المنطقة». وتابع بالقول :«ان انهيار كوريا الشمالية سيكون لمصلحة كوريا الجنوبية، والصين لا ترغب في ان ترى كوريا الجنوبية قوية وحليفة للولايات المتحدة على حدودها، لهذا فان الدعوة الى ضبط النفس والتهدئة هي النصائح التي توجهها الصين الى زعماء كوريا الشمالية ولكنها لا تستطيع ان تفعل اكثر من ذلك» . وقال ان الصين قادرة على ان تفرض على بيونغ يانغ وضع حد لتوجهاتها نحو التسلح لأنها توفر لها البترول والبذور والصناعات والاحتياجات الاساسية لهذا البلد». ولاحظ انه على الحدود بين الصين وكوريا الشمالية يمكن مشاهدة مرور شاحنات محملة بالسلع بين الصين في اتجاه بيونغ يانغ». وأضاف ان الصين يمكن ان تقلع نهائيا عن دعم كوريا الشمالية لكنها لا تفعل ذلك لانها لا تريد انهيار كوريا الشمالية وان هذا يعلمه الكوريون الشماليون جيدا، ولهذا يواصلون سياسة بناء قوة ردع نووية «. ولفت الى الانعكاسات الخطيرة لهذه الاسلحة النووية على السلم العالمي ..مؤكدا انها تشكل مشكلة كبيرة مع تصاعد التهديدات تجاه الدول القريبة والبعيدة..» وقال ان هذه القوة النووية تستخدمها كوريا الشمالية لتهديد كوريا الجنوبية.

عن التجربتين الكورية والتونسية
مصطفى الخماري الاعلامي التونسي وسفير تونس السابق في سيول اشار في مداخلته الى تشابه الوضع بين تونس وكوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب الكورية مؤكدا انه في الستينات كان هناك مستوى الدخل نفسه في كلا البلدين وقال ان السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تأخرنا فيما نجح فيه الكوريون ؟ .
واكد الخماري في هذا السياق ان السر يكمن في تشبث الشعب الكوري الجنوبي بمصلحة الوطن قبل كل شيء ، وقبل الخلافات العرقية والتجاذبات من كل جانب ، وان العمل هو اساس تقدم البلد الكوري. واشار الى ان هناك حياة جامعية ومدارس وجامعات متطورة جدا وشدد على اهمية ان تطلع الدول العربية وتحفظ التجربة الكورية الجنوبية وتنهل منها «. كما اشار الخماري الى انه رغم كل التقدم الحاصل الا ان سيول تعيش الخوف من الحرب مع جارتها الشمالية. ولفت ايضا الى ان سيول بذلت جهدا كبيرا لمساعدة ابناء الشعب الكوري الشمالي وهي فتحت مصانع تضم اكثر من 50 الف كوري شمالي في الحدود داخل كوريا الشمالية ..مشيرا الى ان هذه المعامل اغلقت الان رغم انها كانت توفر عائدات هامة لآلاف العائلات الكورية الشمالية.

وقال ان ذلك يفسر خوف بيونغ يانغ من المجاعة ولهذا هي تستعمل سلاح التهديد لتضغط على سيول». وقال ان المجال مفتوح لتعاون كبير بين كوريا الجنوبية وتونس في كافة المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية ..

من جهته، قال رئيس المركز ماجد البرهومي انه من الاهمية بمكان التطرق الى خصائص التجربة الكورية الجنوبية والنهل منها خاصة ان تونس تعيش وضعا اقتصاديا مترديا رغم انها ليست دولة فقيرة من الموارد ولديها إقتصاد متنوع المصادر مع عدد محدود من السكان لا يبدو بحاجة إلى ثروات طبيعية هائلة ليحقق ما يصبو إليه.

ولفت الى ان كوريا الجنوبية هي من بين الأمم الناهضة التي اقتحمت القرن الحادي و العشرين من أوسع ابوابه، بثقة كبرى بالنفس والقدرات، رغم شح مخزونها من الموارد الطبيعية . واضاف ان هناك علاقات متينة تربط تونس بكوريا الجنوبية هذا البلد الذي حقق قصة نجاح مبهرة طيلة العقود الستة الماضية . ولهذا فهي تستحق تسليط الضوء للإستفادة من تجربتها الرائدة التي لم تعتمد لا على ثروات طبيعية أو هبات مالية ضخمة أو غيرها، و إنما كان عمادها قدرات ذاتية وإيمان راسخ بقدرة البشر على الفعل و عزم فولاذي على تجاوز مخلفات الماضي و من ذلك الإستعمار الياباني والحرب الكورية بداية خمسينيات القرن العشرين وانتفاضة 18 ماي 1980 من أجل الحرية و الديمقراطية.

المشاركة في هذا المقال