Print this page

انقسامات وخلافات تسببت في أزمة داخل مجلس نواب الشعب: معضلة هيئة الحقيقة والكرامة وتعثّر مجلة الجماعات المحلية

يتعرض مجلس نواب الشعب خلال هذه المدة إلى عديد الضغوطات والانتقادات

من الداخل والخارج، نتيجة الخلافات الحادة بين الكتل البرلمانية، غابت عنها سياسة التوافق منذ عملية انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، ثم حول قرار التمديد في مهام هيئة الحقيقة والكرامة من عدمها. هذه الخلافات أثرت سلبا على انطلاق مناقشة مشروع مجلة الجماعات، في بداية بدت متعثرة على ما يبدو، وذلك على خلفية الصدامات بين الكتل من ناحية، ومع رئيس البرلمان من ناحية أخرى.

مثلما كان متوقعا، لم تتمكن الجلسة العامة المنعقدة يوم أمس من الانطلاق في مناقشة فصول مشروع مجلة الجماعات المحلية والمصادقة عليها فصلا فصلا، نتيجة تواصل الخلافات بين الكتل البرلمانية وخصوصا بين كتلتي حركتي النهضة ونداء تونس. الخلاف بين الكتلتين يعود بالأساس إلى عاملين أساسيين، العامل الأول وهو أن حركة النهضة لا تزال تحت صدمة جلسة يوم الاثنين الفارط ولم تتجاوز ما حصل إلى حد الآن، بعد خسارتها الرهان في عملية التصويت على استكمال هيئة الحقيقة والكرامة لمهامها من عدمها، نتيجة وقوف حليفتها في الحكم كتلة حركة نداء تونس ضدها. أما العامل الثاني المرتبط بالعامل الأول، فقد هيمنت الأجواء المتوترة بين الكتلتين على أشغال جلسة التوافقات حول مشروع المجلة يوما قبل انطلاق الجلسة العامة، التي باءت بالفشل حتى أنها لم تتمكن من التوافق على عنوان مشروع القانون.

عودة الجدل حول هيئة الحقيقة والكرامة
الجلسة العامة انطلقت في وقتها المحدد، لكن الكتل البرلمانية دخلت قاعة الجلسة محملة بتراكمات الجلسة السابقة، ليعود الجدل من جديد حول موضوع هيئة الحقيقة والكرامة، لكن هذه المرة ليس على نتائج التصويت ولا حتى حول شرعية الجلسة العامة من عدمها، بل حول المراسلة التي توجهت بها رئاسة المجلس إلى رئاسة الجمهورية

المتعلقة بإعلام رئيس الجمهورية بأن البرلمان صوت ضد التمديد لمهام هيئة الحقيقة والكرامة، بالرغم من أن جدول أعمال الجلسة العامة مخصص لمناقشة فصول مشروع مجلة الجماعات المحلية.

الجميع لم يكن متحمسا لمناقشة مشروع مجلة الجماعات المحلية، حيث حاولت نقاط النظام تعطيلها وإجبار الجميع على مناقشة ما حصل في جلسة يوم الاثنين، وتدخل النائب عن الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي معتبرا أن هذه المراسلة غير قانونية وباطلة، باعتبارها لم تمر على مكتب المجلس من أجل التصويت. كما بين أن المراسلة لم تتم قبل الأجل القانوني أي 48 ساعة، وفق ما يقتضيه النظام الداخلي ملاحظا ان مثل هذا الخلل قد يكون سببا للطعن.

الأمور والإشكاليات لم تتوقف عند هذا الحد، حيث لمح البعض إلى وجود شبهات تدليس، وهو ما أكده النائب عن حركة النهضة محمود قويعة، الذي بين بدوره وجود عملية تدليس بالجلسة العامة الخاصة بالتصويت على التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة يوم، موضحا أن نتيجة التصويت المنشورة على موقع المجلس مخالفة للنتيجة التي أعلنها رئيس مجلس نواب الشعب محمّد الناصر، حيث أعلن حينها عن أن هناك 65 نائبا ضد القرار في حين أنّ النتيجة المنشورة على موقع المجلس تشير إلى تصويت 68 ضد. ودعا قويعة إلى فتح تحقيق بخصوص شبهتي تدليس تهم عدم تسجيل الحضور على الموقع يوم الإثنين الماضي وأخرى تتعلق بنتيجة التصويت.

تأجيل الجلسة العامة
الخلافات بدورها لم تقتصر على هذه النقطة بالتحديد، بل إن عدم تمكن رؤساء الكتل البرلمانية من التوافق حول الفصول الأولى من مشروع القانون، جعل البعض يطالبون بتأجيل الجلسة العامة حتى لا تسقط في فخ الخلافات وتأجيجها في ظل الأجواء المشحونة والمتوترة سلفا، من بينهم رئيس لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح الناصر جبيرة والنائب عن الكتلة الحرة لمشروع تونس حسونة الناصفي، الذين تعللوا أيضا بغياب النصاب القانوني. وفي الأخير أعلن النائب الأول رئيس المجلس عبد الفتاح مورو أن رؤساء الكتل البرلمانية طالبوا برفع الجلسة العامة المخصصة للتصويت على مشروع قانون مجلة الجماعات المحلية لاعتبارات قانونية وإجرائية، ليتم الاستجابة لهذا الطلب من أجل فسح المجال أمام لجنة التوافقات على أن يتم تحديد موعد الجلسة العامة في وقت لاحق، بالرغم من دعوات ممثلي كتلتي حركة نداء تونس وآفاق تونس الانطلاق في مناقشة مشروع المجلة.

تأجيل اجتماع مكتب المجلس
من جهة أخرى، فإن الأمور لم تتوقف عند حدود إعلان تأجيل الجلسة العامة فقط، فقد تجددت الخلافات من جديد مع إعلان تأجيل اجتماع مكتب المجلس الذي من المفروض أن ينعقد دوريا كل يوم خميس، لمناقشة القضايا المطروحة على أنظار البرلمان، وتحديد جدول أعمال الجلسة العامة، بالاضافة إلى تنظيم أعمال اللجان القارة والخاصة. اجتماع المكتب كان بمثابة الفرصة أمام الكتل المعارضة وكتلة حركة النهضة من أجل تداول معضلة هيئة الحقيقة والكرامة، إلا أن الجميع فوجئ بقرار التأجيل بحجة أن رئيس البرلمان سيسافر في نفس اليوم، مما جعل كتل المعارضة تطالب بعقد اجتماع استعجالي لمكتب المجلس في نفس اليوم بالذات وعلى الساعة الرابعة بعد الزوال، بمن حضر.

ضغوطات واتهامات بالجملة
مجلس نواب الشعب يتعرض خلال هذه المدة، إلى عديد الضغوطات والانتقادات سواء من داخله أو خارجه. فبعد دعوة رئيس الجمهورية السابق ورئيس حزب حراك تونس الإرادة منصف المرزوقي، غلق البرلمان على خلفية التصويت ضد التمديد في مهام الهيئة، وأيضا بعد إعداد نواب الكتلة الديمقراطية عريضة من أجل سحب الثقة من رئيس المجلس محمد الناصر بتعلة أنه لم يكن محايدا في نفس الجلسة العامة، وتجاوز القانون في ما يتعلق بمسار العدالة الانتقالية، ووجود انتدابات مشبوهة داخل البرلمان، على غرار اتهامه بسوء التصرف الإداري والمالي وعديد النقاط التي جاءت في نص العريضة التي لا تزال بحاجة إلى إمضاء 73 نائبا. وجهت بدورها منظمة «بوصلة،» انتقاداتها للبرلمان الذي اعتبرته ساهم في تعميق أزمة مسار العدالة الانتقاليّة، من خلال رفض سد الشغور في تركيبة مجلس هيئة الحقيقة و الكرامة، وغياب متابعة لأعمال الهيئة حسب الفصل 159 من النظام الداخلي، على غرار عدم مساءلة الحكومات المتعاقبة حول نقص التعاون مع الهيئة، ثم مقاطعة جلسات الاستماع العلنية للهيئة، مقابل تمرير قانون المصالحة. كما كشفت «البوصلة» عن الإخلالات الحاصل صلب الجلسة العامة.

تحديد موعد جديد
مع كثرة هذه الضغوطات، أجّل محمد الناصر موعد سفره ليعقد اجتماعا مع رؤساء الكتل من أجل إيجاد حل للأزمة الخانقة التي يمر بها البرلمان، ساهمت بدورها في تعطيل كافة أعماله ودواليبه والدخول في طريق مسدود على مستوى التوافقات والعلاقات بين الكتل البرلمانية. وبعد التداول، تقرر تأجيل الجلسة العامة إلى يوم الثلاثاء القادم من أجل الانطلاق في مناقشة فصول مشروع مجلة الجماعات المحلية، على أن تخصص المدة الفاصلة للتوافق حول مشروع القانون، مع إقرار عقد جلسة عامة يوم الاثنين من أجل المصادقة على مشروع القانون المتعلق بالمؤسسات الناشئة، وعقد اجتماع صباح اليوم من أجل التداول في كافة الخلافات الحاصلة.
فترة صعبة يمر بها مجلس نواب الشعب خلال هذه المدة، وهي الأولى من نوعها منذ الانتخابات التشريعية 2014، فقد تكاثرت الخلافات حول عديد المواضيع والقوانين، والهيئات الدستورية ظهرت بوادرها منذ فشل البرلمان في استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.

المشاركة في هذا المقال