Print this page

متى سيقول الجميع ودون تردد حكومة ومؤسسات دستورية وأحزابا ونقابات وجمعيات وإعلاما ومواطنين: الاعتصام المعطّل للإنتاج أو للمرافق العمومية مخالف للقانون وضدّ المصلحة الوطنية

نشاهد هذه الأيام أمام أعيننا محصلة سنوات كاملة من ليّ الذراع بين مجموعات من المعتصمين والدولة... عملية ذهبت ضحيتها مؤسسات اقتصادية عديدة اضطر بعضها للغلق أو لمغادرة البلاد...

من نافلة القول التأكيد، مرة أخرى، أن الاحتجاج والاعتصام والتظاهر حقوق دستورية لا يجادل فيها أحد... ولكن تعطيل الإنتاج ومنع العمل بالقوة هي أعمال يعاقب عليها القانون علاوة على الضرر الكبير الذي تحدثه لسمعة البلاد ولتوازناتها الاقتصادية الهشة للغاية...
لا ولن نريد العودة للعصا الغليظة ولكن لا يمكن أن يقبل عاقل واحد بأن يتم التلاعب بالمصالح الحيوية في البلاد في قرقنة وفي غيرها دون أن تكون البلاد قادرة على فض هذه الإشكالات في زمن قصير إلى أن حصلت الكارثة وقررت شركة بتروفاك المغادرة وبدأت إجراءات المغادرة الفعلية رغم بقاء بصيص من الأمل عند بعض المسؤولين والأهالي...

انتظرنا أن يأتي اجتماع خلية الأزمة الذي أشرف عليه رئيس الحكومة يوم أمس بالجديد... ولكن اكتفت الحكومة بتوصيف الوضع لا غير في حين كنا ننتظر منها أكثر من ذلك بكثير لا سيما وأن اجتماعها هذا يشبه أعمال الساعة الخامسة والعشرين أي أعمال الوقت البديل التي لا تسمن ولا تغني من جوع...

سوف يُقال لنا بأن الحكومة مازالت حديثة عهد وأنها تواجه مشاكل مستعصية... ولكن نحن نتحدث عن الدولة المستمرة بغض النظر عن تعاقب الحكومات...

إلى متى ستتعايش الحكومات المتعاقبة مع خرق القانون المستمر بتعطيل الإنتاج أو بعض المصالح العمومية؟ وإلى متى ستقبل تونس بدكتاتورية بعض الأقليات النشيطة التي تصعّد مطالبها إلى الأقصى فتعطل لغة الحوار وتجد تونس نفسها الخاسر الأكبر بعد ذلك؟
ولكن لنقلها بوضوح المسؤولية اليوم هي مسؤولية الجميع بدءا بالحكومة بطبيعة الحال ولكن أين هي أحزاب الحكم؟ أين هي أحزاب المعارضة؟ كيف يسمح حزب لنفسه بمساندة اعتصام يعطّل العمل سواء كان ذلك في قرقنة أو قفصة أو غيرها من مدن وقرى تونس؟

ألا يقول الفصل 35 من الدستور «تلتزم الأحزاب والنقابات والجمعيات في أنظمتها الأساسية وفي أنشطتها بأحكام الدستور والقانون وبالشفافية المالية ونبذ العنف» فكيف تزكي بعض الأحزاب في الممارسة إن لم يكن ذلك بالقول ممارسات مخالفة لصريح نص القانون؟ لِمَ لا تقول أحزاب الحكم والمعارضة على حدّ سواء أنها تساند الاحتجاجات والاعتصامات السلمية شريطة ألا تعطل الإنتاج أو المرافق العمومية؟ لِمَ لا تندد كل الأحزاب القانونية بهذه الممارسة المنافية للقانون؟ ولِمَ لا تدفع بأنصارها إلى الحوار مع هؤلاء المعتصمين لإقناعهم بمواصلة احتجاجهم لكن دون تعطيل للإنتاج أو للمرافق العمومية؟ ونفس الأمر نقوله بوضوح لكل النقابيين – رغم جهودهم الكبيرة في قضية بتروفاك – ولكل جمعيات المجتمع المدني ولكل المواطنين ولكل وسائل الإعلام أيضا...
كفانا من لغة «الاعتصامات المشروعة» فالاعتصامات المعطلة للعمل غير مشروعة نقطة إلى السطر... لنكن صارمين على مستوى القول والمبادئ على الأقل... لنغيّر قاموسنا السياسي والحقوقي والنقابي والإعلامي...
اعتصامات قرقنة وقفصة وغيرها هي اعتصامات غير قانونية وغير مشروعة ما دامت وسائلها غير قانونية وغير شرعية...

لا يعني هذا أن نزج بهؤلاء الشباب في السجن ولا ألا نتفاوض معهم من أجل إيجاد حلول عملية... ولكن من غير المعقول أن نترك مجموعات صغيرة العدد تتجاسر على القانون ولفترات طويلة دون قدرة كل هياكل الدولة والمجتمع على إصلاح الأوضاع...
يعلم الجميع أن هنالك أقليات نشيطة في كل هذه الاعتصامات لا تريد إيجاد حلول معقولة ومقبولة وهي مستعدة لارتهان البلاد ومصالحها الحيوية مهما كانت الدواعي...

هل يجوز لأحد أن يصمت أمام هذا؟ هل يحق لجمعيات حقوقية ولأحزاب سياسية ألا يقولوا الحقيقة كاملة لمواطنينا وهي أن المؤسسات الاقتصادية الخاصة الأجنبية والمحلية لن تقبل بالمرة بالاشتغال في هذه الظروف...
لقد مثّل رحيل بتروفاك (النهائي؟) صدمة فعلية لمتساكني جزيرة قرقنة فجلهم لم يكن يعتقد أن تكون هذه هي نهاية الاعتصام.. ولكن ربّ ضارة نافعة.. هذه هي نهاية كل اعتصام غير قانوني يعطل العمل أو المرافق العمومية...
هنالك خيط دقيق بين الفوضى والقبضة الحديدية هو طريق لا بد أن نسلكه.

لم يعد من المعقول أن تضعف الدولة والأحزاب والمؤسسات الدستورية والنقابات والجمعيات والأهالي أمام أقليات أضحت تعتقد أن التصعيد وحده هو المجدي والمجزي...
للأسف لم تتمكن الحكومة الجديدة من اجتياز هذا الامتحان بنجاح... واجتماع يوم أمس قد جاء متأخرا كثيرا والتدارك مطلوب وإلا لغرقت السفينة بما وبمن حملت...

المشاركة في هذا المقال