Print this page

الحبيب الصيد في خطاب «سحب الثقة»: من أنصاف الكؤوس إلى أنصاف الحقائق إلى أنصاف الأقوال

• أحزاب الائتلاف الحاكم: نحن غير مسؤولين
لم يكن أحد يشك بدءا من رئيس الحكومة ذاته، أن الغالبية الساحقة من أعضاء مجلس نواب الشعب سوف لن تمنح ثقتها لحكومة الحبيب الصيد ولذا كانت

المفارقة غريبة صباح يوم أمس تحت قبة باردو فخطاب رئيس الحكومة لم يكن خطاب طلب مواصلة العمل بل ما يشبه خطبة «الوداع» حاول فيها صاحب القصبة مرتجلا - وهذه سابقة عند الرجل - أن يقول للتونسيين لِمَاذا لَمْ يُرد الاستقالة وموحيا لنا بالأسباب التي قد تكون دفعت بالبعض للسعي إلى فرض الاستقالة عليه...

أما تدخلات النواب والتي امتدت على ساعات عدة فقد تراوحت جلّها، بعد الثناء على وطنية الرجل، بين محاكمة إدارته للشأن العام مع إيجاد بعض ظروف التخفيف عندما يتعلق الأمر خاصة بالتحالف الحاكم ما عدا النداء وبالمحاكمة لرئيس الحكومة وحده بل وباتهامه بإيجاد فضاء للانتقاص من منظومة الحكم عندما يتعلق الأمر بالنداء إلى محاكمة كامل منظومة الحكم واعتبار أن فشل الحبيب الصيد إنما يؤشر على فشل أعظم وأشمل..

وبالطبع لم نسمع من جل نواب أحزاب الحكم اعترافا بالفشل الجماعي ولو بصفة نسبية... فالفشل قد انحصر عندهم عند صاحب القصبة الحالي وكأنّ لسان حالهم يقول بأنه قد فشل لأنه لا يملك بطاقة انخراط في الحزب الأول أو في الأحزاب الأخرى المشاركة في الحكم...

الخطاب المرتجل، شكلا، الذي توجه به الحبيب الصيد إلى الشعب التونسي من خلال مجلس نواب الشعب قد حمل العديد من الرسائل... ولكن وعلى عادة الرجل المولع بأنصاف الكؤوس الملآنة فقد جاء كلامه مبنيا على أنصاف حقائق وأنصاف أقوال... ولم يرتبط الوضوح إلا بالدفاع المستميت على الذات.. دفاع الجندي الأعزل ضد طغمة من الطامعين... دوما بالتلميح دون الجرأة على التصريح والتعيين...

لقد أعاد الحبيب الصيد للمرأة الألف أن الاستقالة إنما هي شبيهة بالفرار من ساحة الوغى (زرطية) وأن مطالبته بالاستقالة إنما هي نوع من الانقلاب على الدستور... وقد انبنت خطة دفاع الحبيب الصيد عن نفسه على مستويات ثلاثة...

• المستوى الأول: هذه الحكومة لها برنامج وقد أعلن عنه رئيسها يوم 5 فيفري 2015 في أول جلسة لنيل ثقة المجلس...

وبرنامج الحكومة – حسب رئيسها – تركز على ست نقاط: محاربة الإرهاب وحماية القدرة الشرائية وإقرار السلم الاجتماعية وإعادة إطلاق المشاريع المعطلة وإنجاز مخطط للتنمية ومحاربة الفساد...

والذي ينصت إلى الحبيب الصيد دون أن يكون على اطلاع على وضع البلاد قد يعتقد أن الحكومة قد حققت نجاحات كبيرة في هذه النقاط الست ولكن نحن هنا أمام أنصاف، بل أرباع، حقائق.. فالتقدم يجب أن لا ينسينا كوارث سنة 2015 ولا كذلك غياب استباق أخطر عملية إرهابية استهدفت البلاد وهي سعي الدواعش الدمويين إلى إقامة «إمارة» في بن قردان في مارس 2016 ولولا يقظة العسكريين والأمنيين والمواطنين لكانت الكارثة... فنجاحات الحكومة الحالية في مقاومة الإرهاب نسبية والنجاحات الأكيدة تعزى إلى المؤسستين العسكرية والأمنية وكذلك إلى تعاون المواطنين...

وفي الحقيقة تونس كلها في حرب ضد الإرهاب ولا ينبغي لأحد أن يستأثر لنفسه بالنجاحات ولا كذلك أن نغترّ بها قبل اجتثاث هذه الآفة بصفة نهائية..

أما توصيف الوضع الاقتصادي والاجتماعي باعتباره يتلخص في الحد من نسبة التضخم وإقرار نسبي للسلم الاجتماعية و»تفعيل» المشاريع المعطلة... وحتى إن أقررنا بأن هذه هي أهداف الحكومة فكان لا بد من الوقوف على مدى الإنجاز.. وهذا ما غاب تماما في خطاب رئيس الحكومة... فالحبيب الصيد لم يتحدث عن تراجع نسق النمو ولا عن ارتفاع نسبة البطالة بل اعتبر أن ارتفاع المديونية بسبع نقاط كاملة خلال سنة واحدة إنما هو عنصر إيجابي (هكذا!) لأن هذا يدل على «ثقة» المقرضين في تونس...

أما مخطط التنمية فقد أفضنا فيه القول في هذه الأعمدة وتحدثنا عن غياب الحلم فيه وعن غياب المشاريع التي من شأنها أن تغيّر وجه تونس... فلا معنى لمخطط يرصد فقط المشاريع العادية من بنية تحتية في الطرقات ووحدات تحلية المياه وإنتاج الكهرباء... إلى درجة اضطرار الحكومة إلى بنوك أعمال لتسويق المخطط ولإعادة إخراج المشاريع القادرة على جلب استثمارات أجنبية.

أما في ما يخص مكافحة الفساد فقد اعترف رئيس الحكومة بأن هذه الآفة قد استشرت في البلاد.. وهنا بدا لنا الصيد وكأنه ناشط حقوقي لا رأس السلطة التنفيذية على امتداد سنة ونصف !؟ فإن استشرى الفساد في عهده أفلا يتحمل هو في ذلك أية مسؤولية؟!

• المستوى الثاني في دفاع الحبيب الصيد عن نفسه كان في الوقت الضروري من عمر الحكومة التي انتدب لها في فيفري 2015.. فهو يقول بأنه قبل المهمة باعتبار أن حكومته حكومة دائمة أي تمتد على كامل المدة النيابية (5 سنوات) وأن تغيير الحكومة بعد سنة ونصف مضاره أكثر من منافعه...
نظريا الكلام قد يكون مستقيما لو سلمنا جدلا بأن الحكومة سائرة على الطريق السوية وهذا حاصل إجماع ضده... والأهم هنا هو أن خط دفاع الحبيب الصيد هذا هو خط إداري لا سياسي... ففي عالم السياسة وخاصة في المراحل الانتقالية لا وجود لمدة زمنية محددة لممارسة الحكم بل العبرة بالنتائج – كما في عالم الرياضة – والنتائج لم تكن باهرة لكي يتم التجديد لهذه الحكومة...

• المستوى الثالث في الخطة الدفاعية لرئيس الحكومة هو إيحاؤه بأن كل من....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال