Print this page

ملحمة بن قردان: وكيف نحفظها من النسيان..

مازلنا نعيش على وقع عملية بن قردان التي ابتدأت بهجوم إرهابي قصد إقامة «إمارة» داعشية على الأراضي التونسية وتحوّلت منذ دقائقها الأولى إلى ملحمة أبطالها قواتنا الأمنية والعسكرية والديوانية وسائر مواطني بن قردان والذين

لولاهم لما كان نجاح هذه العملية بهذا الشكل غير المسبوق عربيا...

وعندما نتحدث عن ملحمة فنحن لسنا في باب الإنشائيات العاطفية بل في توصيف واقع نحن شهود وشاهدون عليه...

والملحمة ليست فقط قصة بطولة جماعية وبطولات فردية بل هي أيضا لحظة تأسيس لمروية مشتركة تختزن وتختزل القيم الكونية والإنسانية الأساسية: تضحية بلا حساب وإيمان بالحياة إلى حد الاستعداد للتضحية بها في سبيل قيمة القيم: الحرية.. وتضامن في سبيل الدفاع عن هذه الحياة..

فأبطالنا في بن قردان لم يدافعوا عن أنفسهم أو عن زملائهم أو عن بلدتهم أو عن بلادهم لقد دافعوا عما هو أعظم وأعمق وأسمى من كل هذا وإن كان لا يتناقض مع ما سبق، لقد دافعوا عن الحياة وعن البشرية جمعاء..

«من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا(...)» (سورة المائدة الآية عدد 34).

هذا بالضبط ما حصل في بن قردان: مجموعات إرهابية عقيدتها الوحيدة القتل والدمار وتونسيون من الجيش والأمن الداخلي والحرس والديوانة ومواطنون عزّل أفشلوا هذا المخطط الجهنمي باسم الحياة فكتبوا بذلك ملحمة إنسانية سوف تفتح صفحة جديدة في حربنا وحرب بقية دول العالم ضد الإرهاب السلفي الجهادي المعولم..

بعد أيام أو أسابيع أو أشهر وبعد أن يخفت صوت الرصاص لا بد لنا نحن التونسيين من تخليد هذه الملحمة بطرق شتى.. بداية في أذهان الناشئة في المدارس الابتدائية والمعاهد الإعدادية والثانوية.. لا بد أن يرى كل تلاميذ تونس أبطال هذه الملحمة وأن يسهموا هم ببراءتهم في تمثلها وكتابتها وإكبار أبطالها والإسهام معهم في الجهد الوطني في محاربة الإرهاب بما يُتاح للتلاميذ وهم في نعومة أظفارهم.. لابد أن تكون هنالك في كل مدرسة وفي كل قسم حلقات أو حلقات من الإنصات للتلاميذ يعبرون فيها عن مشاعرهم ومخاوفهم وأن يستبطنوا هذه القضية الوطنية والإنسانية وأن يعبّروا عنها بالرسم والنحت والموسيقى والإنشاء.. وقبل ذلك لا بد من وعي جماعي بأن ما حصل في بن قردان هو يوم من أيام تونس أي معركة انتصرنا فيها لا فقط عسكريا بل وأخلاقيا وقيميّا كذلك...

ملحمة بن قردان يجب أن تتحوّل إلى أعمال فنية وإبداعية في السينما والمسرح والغناء والقصة والرسم والنحت علاوة على عمل المؤرخين وتوثيق كل لحظاتها وأبعادها..

ينبغي على كل التونسيين أن يؤسسوا جميعا على هذه اللحظة وأن يجعلوا منها عنصرا فارقا في ذاكرتهم الحية اليوم والذاكرة الوطنية غدا..

وينبغي ألا ننسى أن ملحمة الأوديسا (Odyssée) والتي كانت من عناصر الوعي الأوروبي المشترك منذ أكثر من ألفي عام إنما يشترك فيها في الذاكرة الكونية البطل «أوليس» مع كاتب الملحمة هومير...

أبطالنا في بن قردان صنعوا الملحمة.. والآن علينا جميعا، بدءا بمبدعينا ومثقفينا ومؤرخينا، كتابتها وتخليدها..

المشاركة في هذا المقال