Print this page

الإرهاب مُوشْ تونسي ومُوشْ ليبي.. مالا جانا مْنين؟

دأبنا هذه الأشهر الأخيرة على الاستماع لهذا الشّعار الذّي كثر ترداده «الإرهاب موشْ مْتاعنا» في نيّة ولا شكّ إيجابيّة للقول بأنّ تونس التي نحبّ ونعشق لا يمكنها أن تنتج الإرهاب والإرهابيين وبما أنّه لا دِين ولا وطن للإرهاب فإنّ الإرهابي، حتّى وإن وُلد في بلادنا وحمَل جنسيتنا، فهو ليس منّا ونحن لسنا منه...

نفس الشّعار، تقريبا، تردّده أطراف ليبية فبالنّسبة لها الإرهاب دخيل عليها وأنّه لا يجب على تونس أن تخشى من ليبيا، جرّاء الإرهاب، بل العكس هو الصّحيح فليبيا هي التي تمّ «احتلالها» بجحافل من الإرهابيّين التونسيّين...
ونذكّر في نفس السّياق الإشكال الدّيبلوماسي الذي كدنا أن نحدثه منذ أكثر من سنة عندما كانت بلاغات وزارة الدّاخلية تقول بوجود إرهابيّين بين القتلى أو المقبوض عليهم من جنسيّة جزائريّة... وقد رأى فيها الأشقّاء نوعا من الاتّهام غير المباشر للجزائر بالضّلوع في الإرهاب ولو كان ذلك عبر أفراد استهدفوا بلادهم قبل استهداف بلادنا...

نذكر بكل هذا لأننا نشهد ترويجا لبضاعة غير نزيهة تقوم بها بعض الجهات التي لا تريد كبير خير لا لتونس ولا لليبيا وهي في إطار حسابات مصالحها الاستراتيجية اليوم تريد القول بأنها بريئة من تضخم الظاهرة الإرهابية بليبيا وأن جلّ العناصر الإجرامية من الأجانب ولا سيما من تونس...

لا ينبغي أن نناقش هذه القضايا من باب الشوفينية الوطنية وأن يلقي كل بلد منا مسؤولية هذه الآفة التي تهدد الجميع على غيره من الدول..

لنتفق بداية على مسألتين بديهيتين: الإرهاب ظاهرة وطنية وإقليمية ومعولمة في ذات الوقت ومن هذا الباب فلا كبير معنى للقول بأن الإرهاب ليس تونسيا أو ليس ليبيا أو ليس جزائريا.. فهو تونسي وليبي وجزائري وفرنسي وبلجيكي.. وهو أكثر من هذا بكثير كذلك إذ لا نكاد نجد مجموعة واحدة ضمن ما نسميه بالإرهاب السلفي الجهادي المعولم تشتغل على مستوى وطني بل كلها تندرج في شبكات معولمة يتداخل فيها العقائدي التكفيري مع اللوجستي والمالي والتدريب وإعداد المخططات الإجرامية ونقل الأسلحة الحربية من بلد إلى آخر... ولكن وفي ذات الوقت لا نجد نشاطا إرهابيا ملحوظا في بلد ما دون أن تكون هنالك مجموعات إرهابية محلية نشيطة.. بعبارة أخرى لولا الإرهابيين التونسيين المنتظمين في مجموعات إرهابية على امتداد كامل الجمهورية لما أمكن لإرهابيين أجانب من التمترس، ولو إلى حين في ترابنا...

فالحرص كل الحرص على تقديم المجموعة الإرهابية المستهدفة من قبل ضربة جوية أمريكية في صبراتة باعتبارها متكونة فقط من تونسيين، دون التحقق من ذلك بصفة قطعية فيه شيء من المبالغة المقصودة فما نعلمه جميعا هو أن عدد الإرهابيين التونسيين المتواجدين حاليا بالتراب الليبي هو في حدود عدة مئات (ما بين 600 و1000 على الأرجح حسب مصادر غربية جدية) أما عدد الإرهابيين المحليين الموجودين حاليا في ليبيا فعددهم يقدر ببعض الآلاف.. وهذا المعطى يكفي لتنسيب ما قيل وما يقال حول المجموعة الإرهابية المستهدفة بصبراتة وإن كنا نعلم جيدا أنه في مثل هذه التنظيمات الإرهابية توجد خلايا تتكوّن أساسا من عناصر أجنبية للقيام بعمليات محددة من قبل القيادات في تلك التنظيمات الإرهابية.. أي حتى ولو ثبت أن جلّ القتلى هم من التونسيين فهذا لا يعني بأن جل الإرهابيين المتواجدين حاليا فوق التراب الليبي هم من التونسيين...

ما أردنا قوله هنا هو أن تتحمل كل بلاد مسؤوليتها كاملة في محاربة الإرهاب الموجود فوق أراضيها بداية وأن يحصل تعاون استخباراتي وأمني وثيق بين كل دول الجوار لقطع دابره ولكي لا نوفر له ملاذا آمنا يستطيع انطلاقا منه التخطيط للقتل وللدمار على أيّة أرض كانت...

فالإرهاب السلفي الجهادي هو معولم ولا شك وتتداخل فيه عناصر لا تخضع لسيطرة الدولة الوطنية ولكنه أيضا واقع محلي لا يقاوم إلا بسياسات عمومية شاملة وهذه المقاومة لا تكون ناجعة إلا متى حصلت في إطار تنسيق إقليمي ودولي يحترم سيادة الدول ويضيّق الخناق على كل هذه المجموعات أينما كانت...

المشاركة في هذا المقال