Print this page

غدا اللقاء الثاني بقصر قرطاج حول حكومة الوحدة الوطنية: الكرة في ملعب الأحزاب

تنطلق يوم غد المشاورات الفعلية حول حكومة الوحدة الوطنية وذلك خلال الاجتماع الذي دعا له رئيس الجمهورية والذي سيحضره الممثلون الأول لاتحاد الشغل ومنظمة الأعراف والرباعي الحزبي الداعم الأغلبي: النداء والنهضة والوطني الحر وآفاق وأربعة أحزاب أخرى وهي مشروع تونس والمسار وحركة الشعب والمبادرة..

والمتوقع من هذا اللقاء أن يناقش مسألتين أساسيتين: أولويات حكومة الوحدة الوطنية وهيكلتها.. وكانت رئاسة الجمهورية قد طالبت هذه الأطراف بمدها بتصوراتها كتابيا حول هاتين النقطتين...
في الأثناء يطالعنا رئيس الحكومة بحوار أدلى به لموقع العربية نت يقول فيه بأنه غير مستعد للاستقالة رغم تأكيده بأن التشخيص الذي أدى إلى مبادرة رئيس الجمهورية سليم مائة بالمائة ولكنه يرى أن إدارة الأزمة الحالية تفترض بقاء هذه الحكومة - ولو بإجراء تعديل هام عليها - للتسويق الأولي للمخطط القادم وللإعداد للانتخابات المحلية...

والسؤال الذي لم يجب عنه رئيس الحكومة بالوضوح الكافي هو هل سيستقيل لو طلبت منه أحزاب الرباعي ذلك؟ أم أنه سيصر لإجبارها على سحب الثقة منه حتى يتمكن من الدفاع عن حكومته أمام مجلس نواب الشعب !
نحن إذن أمام زمنين مختلفين على رأس السلطة التنفيذية الحالية: زمن قرطاج الذي يريد التسريع في وتيرة تصور وتحقيق حكومة الوحدة الوطنية على ألا تتجاوز كل العملية أسابيع معدودات... وزمن القصبة الذي يرى أنّ مهمة الحكومة الحالية، كما تم الاتفاق على ذلك سلفا، لا تنتهي قبل الانتخابات المحلية القادمة أي في حدود منتصف السنة القادمة...

ولكن يمكننا أن نراهن منذ الآن أن هذين الزمنين سوف يلتقيان في هذه الصائفة إذ لا نريد أن نتصور ولو للحظة واحدة أزمة مؤسساتية جديدة في تونس... ولا نعتقد أن بقاء هذه الوضعية دون أفق سريع في الأشخاص والمضامين من شانه أن يخدم مصلحة أي كان...
لا شك انه كان بالإمكان احتواء هذه الأزمة قبل حدوثها لو تم تشريك فعلي وجدي لرئيس الحكومة في التفكير والقرار عوض إعلامه بالمبادرة الرئاسية سويعات قبل البثّ التلفزي لحوار رئيس الجمهورية...

ولا شك أيضا أن هنالك بعض النوايا «المخفية» وغير الجيدة عند بعض أحزاب الائتلاف الحاكم تجاه الحكومة الحالية ولكن لا يجب أن يخفى عنا الأهم وهو الشعور الجماعي بأن الوضع الاقتصادي والاجتماعي زاد سوءا في عمقه وأن الحكومة الحالية لم تتمكن من التحكم في منزلقاته الخطرة وأن البلاد تحتاج إلى رجّة نفسية تعيد بعض الثقة إلى النفوس عسانا نبدأ سويا وبصفة جديدة في إنقاذ البلاد...
نقولها وبالوضوح اللازم: لقد تحمل رئيس الجمهورية مسؤوليته السياسية والمعنوية والدستورية كاملة عندما أعلن مبادرته هذه علها توقف النزيف الذي يتهدد البلاد..

ولكن الخطر كل الخطر أن تُفرغ هذه المبادرة من مضمونها وأن نسقط من جديد في منطق المحاصصة والمغالبة بدعوى أننا فزنا في الانتخابات وأنه من حقنا أن نحكم وبإطاراتنا نحن...

هذه المحاصصة الحزبية هي التي أدت إلى أزمة حكومة الحبيب الصيد وهي المسؤولة الأولى على هذا الأداء الرديء... وليس من المنصف ولا من المعقول أن نحمّل شخص رئيس الحكومة وضعا اختارته الأحزاب الحاكمة ودوائر القرار الظاهرة والخفية فيها...
لو جعلت الأحزاب الحاكمة من فكرة حكومة الوحدة الوطنية حكومة محاصصة تتقاسم فيها الأحزاب الحقائب والمناصب وفق وزنها الحقيقي او وفق أي منظور آخر فستكون النتيجة أسوأ بكثير من وضعنا الحالي ولكان حينها الإبقاء على حكومة الحبيب الصيد أفضل...
تونس تحتاج اليوم إلى أفكار جريئة وعقلانية من جهة وقيادة فعلية لا ترتهن إرادتها المكاتب السياسية واللوبيات الخفية للأحزاب الحاكمة... حكومة بمثل هذه المواصفات قد (ونقول قد) تكون قادرة على النجاح وإلا فالإخفاق سيعم كامل منظومة الحكم الناجمة عن انتخابات خريف 2014...

رئيس الجمهورية يدرك جيدا أن هذه المبادرة قد تكون خرطوشته الأخيرة خلال عهدته الانتخابية واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة لا يريدان أن يكونا هما بدورهما شاهدي زور على محاصصة حزبية جديدة تخفي اسمها.
الكرة الآن،كما يعتقد رئيس الجمهورية ذاته، هي عند الأحزاب بصفة عامة وأحزاب الائتلاف الحكومي بصفة أدق فإما التوافق على خطة طريق إصلاحية لتونس وعلى رئيس حكومة كامل الصلاحيات أو إعادة تجربة الفشل مرة أخرى...
الجحر أمام أعيننا وقد لدغنا منه أكثر من مرة... فلمَ الاقتراب منه مرة أخرى؟!

المشاركة في هذا المقال