Print this page

بعد الاستفتاء وفي أفق الانتخابات التشريعية: إلى أين تسير سفينة تونس ؟

بعد أربعة أشهر ونصف ستجرى في تونس انتخابات برلمانية وفق المقتضيات العامة للدستور وخاصة ضمن

ما سيسمح به المرسوم / القانون الانتخابي الذي لم ير النور بعد ..
بعد أربعة أشهر ونصف ستحسم هذه الوضعية ما « بين بين» بصفة نهائية وسنعلم هل سنكون فعلا في نظام رئاسوي لا معدل فيه لسلطات رئيس الجمهورية أم أن البلاد ستجد سبيلا ما للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن الفعلي وبالتالي من التعددية الحقيقية رغم الرئاسوية الواضحة للدستور الجديد ..
أحيانا يشبه الدستور التأريخ إذ هو كذلك – في إطار المغالبة – يكتبه المنتصرون ويؤوله كذلك المنتصرون..ولكن المنتصرين اليوم قد يهزمون غدا وعندها سيتغير حتما – ولو جزئيا –تنزيل الدستور في الواقع السياسي والمؤسساتي للبلاد ..
في انتخابات تشريعية كلاسيكية،وبغض النظر عن النظام الانتخابي،من الوارد جدّا أن تنتصر أغلبية معارضة لرئيس الجمهورية يوم 17 ديسمبر 2022..بل وتبقى هذه الفرضية هي الأقوى نظرا لغياب حزب جماهيري يمثل فعلا توجهات الرئيس قيس سعيد كذلك للاستحالة العملية لإنشاء كيان سياسي بهذه المواصفات في أشهر قليلة ،هذا دون اعتبار الرفض المتكرر لرئيس الدولة لتكوين حزب أو حركة سياسية بالمعنى المتعارف عليه للكلمة.
المنافسة الحزبية الكلاسيكية في أفق انتخابات تشريعية لن تكون ضرورة لصالح السلطة الحالية ،من هنا تأتي المخاوف الكبيرة من إفراغ هذا الموعد الانتخابي الأساسي من كل مضمون تداولي بمعنيي الكلمة : التداول بما هو نقاش عام حول الاختيارات الجوهرية للبلاد والتداول السلمي على السلطة كذلك ..
من هنا تكون شرعية المخاوف من سد كل منافذ التداول الفعلية في القانون الانتخابي الجديد.
لا يكمن الإشكال في نظام الاقتراع، فالاقتراع على القائمات أو على الأفراد بالنسبة المطلقة أو المعدلة أو بالأغلبية كل هذا يندرج ضمن الاختيارات الديمقراطية المتاحة ولا يوجد نظام من بين هذه النظم معاد للأحزاب أو مقلص من حجمها ففي بريطانيا وألمانيا الاقتراع يكون على قائمات وفي فرنسا على الأفراد دون أن يغير هذا بصفة جوهرية من الحياة السياسية في كل هذه الدول.
الخطر الحقيقي هو أن يراد لنظام الاقتراع على الأفراد إقصاء للأحزاب من قبيل أن لا يحق للأحزاب إن تقوم بالحملات الانتخابية أو أن يقلص من وجودها في الفضاء العام وفي وسائل الإعلام الجماهيرية وان يتم تبرير ذلك بمنطق التساوي بين كل الأفراد المترشحين وان كل واحد منهم إنما يمثل نفسه لا غير ..
قد يكون القانون الانتخابي أخطر على التوازن بين السلط من الدستور ذاته وقد يحول الرئاسوية الواضحة في الدستور إلى حكم فردي لا معدل ولا ضابط له.
كل هذا دون الحديث عن السياق السياسي العام وعن مقاطعة أهم أحزاب المعارضة للاستفتاء وعدم اعترافها بالدستور بما قد يؤشر لمقاطعتها أيضا للانتخابات التشريعية وهكذا نكون أمام مؤسسات دستورية تابعة لا وزن يذكر لها أمام السلطة التنفيذية ..
الديمقراطية والتعددية مسألة شكلية وهما لا تتحددان فقط بالقوانين بل بالمناخ العام وبالحد الأدنى من المقبولية المتبادلة .
السؤال الجدي الوحيد هو هل يريد رئيس الدولة سلطة تنفيذية ممركزة ومطلقة دون أدني توازن جدي؟
قد يبدو للبعض اليوم أن هذا هو الطريق الوحيد لاستعادة الدولة لهيبتها ولإمكانية قيام تنمية فعلية ..
لو كان هذا هو التمشي الرسمي لكانت سفينة في مهب الرياح ولتحملت السلطة الحالية لوحدها كل الإخفاقات وخيبات الأمل القادمة.

المشاركة في هذا المقال