Print this page

حول الدسترة لـ«أسس السياسة التنموية الاقتصادية والاجتماعية»: شعارات فضفاضة ومرجعيات متناقضة

تحصلت جريدة «المغرب» على مشروع أولي لما أطلق عليه بـ«الأسس السياسية التنموية الاقتصادية والاجتماعية لتونس الغد» وهو الباب المزمع إقحامه

في الدستور الجديد وقد يكون الباب الأول فيه حسب ما جاء في عنوان الوثيقة ويتكون من 27 أو 28 فصلا في هذه النسخة الأولية .
يبدو أن الفكرة الأساسية لواضعي مشروع الدستور الجديد بعد افتتاحه (بعد التوطئة) بباب مخصص لأسس السياسة التنموية كإشارة إلى أولوية ومركزية الاقتصادي والاجتماعي في دستور «الجمهورية الجديدة» بما يقطع مع شكل ومضمون دستور 2014، أو هكذا أراد له واضعوه.
قلنا في مناسبات سابقة أن القول بأن دستور 2014 لم يتضمن ولو مرة واحدة كلمة اقتصاد هو خطأ واضح لأنه تضمنها في فصلين على الأقل : الثامن والعاشر،هذا لفظا أما ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية فقد ورد في أربعة فصول في الباب الأول : المبادئ العامة وهي الفصول الثامن والعاشر والثاني عشر والثالث عشر وفي أربعة فصول كذلك في الباب الثاني: الحقوق والحريات (40 و41 و44 و45) علاوة على فصول أخرى تتعلق بالجوانب الثقافية والرياضية..
الجديد إذن هو إفراد باب خاص لا يتعلق بمبادئ عامة بل يطمح إلى وضع «أسس السياسة التنموية الاقتصادية والاجتماعية لتونس الغد».
ماذا نجد في هذه المسودة الأولية ؟
مبادئ عامة وفضفاضة من صنف ما تضمنه الفصل الأول (انظر النص الكامل للمسودة بالصفحة الثالثة ) حيث جاء فيه : النهوض بالاقتصاد الوطني وتحديثه والعمل على ملاءمته وتطلعات الشعب التونسي في الازدهار والتقدم .. !!
وكذلك في الفصل الخامس (حق كل التونسيين في المبادرة الحرة) والسادس (العلم والتعليم والتعلم) والسابع (الصحة).
كم تضمن هذا الباب بعض فصول دستور 2014 كالفصل التاسع حول الحق في العمل والعاشر حول أداء الضرائب والحادي عشر حول حسن التصرف في المال العمومي ..
ونجد أيضا فصولا عدة هي من القانون الأساسي للميزانية وأخرى تتعلق بضرورة التخطيط أو الحوكمة الرشيدة مع فكرة تعايش القطاعات الثلاثة : العمومي والخاص والاشتراكية التضامنية».
والسؤال الجدي الوحيد هو هل يضبط هذا الباب ،على افتراض تضمينه بهذه الصيغة أو بصيغة مشابهة في الدستور الجديد،إطارا محددا لسياسات الحكومات القادمة ؟ وهل يمنع هذا الباب من قيام سياسة ليبيرالية أو اشتراكية مثلا ؟ وهل يجبر السلطة التنفيذية على التزامات معينة تترتب عن التقصير فيها عقوبات ؟
الجواب هو لا وألف لا فنحن أمام شعارات عامة يطغى عليها أحيانا التناقض من الإيحاء بضرورة قيام دولة اجتماعية راعية (الفصل الأول ) إلى فصل يرتبط فقط بالأزمة الاقتصادية الحالية (الفصل الثاني ) بما يحتم تعديل الدستور مباشرة إثر تجاوز هذه الأزمة كما نجد التركيز على حرية المبادرة في الفصل الخامس في تناغم تام مع التصور الليبرالي التعديلي للدولة ..
في الحقيقة «فكرة» دسترة أسس التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي فكرة خاطئة منذ البداية أراد واضعوها إسقاطها إسقاطا على نص لا يحتملها ..لاشك ان هنالك مبادئ عامة ضرورية ولكن مجال التنمية هو مجال تنافسي تتصارع فيه تيارات متناقضة لا يربط بينها سوى إيحاؤها جميعها أنها تخدم لفائدة الصالح العام،ولهذا يستحيل دسترة باب كامل دون السقوط الممل في العموميات وفي البديهيات وفي التناقضات ..
كل هذا من اجل هذا ؟ !
نرجو فقط ألا تكون بقية أبواب هذا الدستور الجديد على هذه الشاكلة .

المشاركة في هذا المقال