Print this page

هل ينبغي تحجير حزب التحرير؟

قررت وزارة الداخلية مؤخرا منع انعقاد مؤتمر حزب التحرير بالعاصمة لدواع أمنية.. ولم توضح الوزارة هل أن هذا المنع ظرفي أم لا وما هي الدواعي الأمنية التي تمنع حزبا من عقد مؤتمره أو أية تظاهرة ما؟!.

والإشكال كالعادة في بلادنا أننا لا نطرح الأسئلة الصحيحة ولا نجرؤ بعد ذلك على الإجابة عنها...
نحن نعلم الظروف التي أضحى فيها حزب التحرير حزبا قانونيا زمن حكومة حمادي الجبالي سنة 2012.. ولكن اليوم لتونس دستورا ينص بوضوح في فصله الخامس والثلاثين على ما يلي: «حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات مضمونة.... تلتزم الأحزاب والنقابات والجمعيات في أنظمتها الأساسية وفي أنشطتها بأحكام الدستور والقانون وبالشفافية المالية ونبذ العنف».

والواضح أن حزب التحرير، علاوة على عدم اعترافه بالدستور التونسي أصالة، يجد نفسه، بدوره، خارج منظومة الحقوق والحريات التي أقرها الدستور التونسي في بابه الثاني.

لا شك بأن حزب التحرير لم يقدم على أعمال عنف مادية بصفته تلك أو على الأقل لم يثبت عليه قضائيا لجوء أو دعوة صريحة للعنف ولكن حزب التحرير لا يعترف بالدولة التونسية كما يحددها الفصل الأول من الدستور ولا بمدنيتها (الفصل الثاني) ولا بأن «الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات» (الفصل الثالث) ولا بعلم الجمهورية (الفصل الرابع) ولا بحرية الضمير (الفصل السادس)...

ويعتبر حزب التحرير أن الدستور بمجمله دستور كفري وأن الترشح للبرلمان وفق هذا الدستور هو عمل شركي لأنه يقرّ بحق الناس في التشريع، بينما التشريع هو لله وحده حسب العقيدة الأساسية لهذا الحزب..
فالواضح أن حزب التحرير كان سيُحلّ لو طبّق القضاء التونسي مقتضيات الدستور دون تأويل مشط لا في هذا الاتجاه ولا ذاك...

ولكن.. لأن في الأمر لكن.. هنالك أيضا الفصل 31 من الدستور الذي ينص بوضوح «حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات» ففي هذه الحال لم يلزم الدستور أصحاب الرأي والفكر بضرورة الالتزام بمقتضيات الدستور أي انه بالإمكان، نظريا على الأقل، التعبير عن رأي ينافي أحد فصول الدستور دون أن يتعارض ذلك ضرورة مع القانون شريطة ألا يكون هذا الرأي هو رأي حزب سياسي أو نقابة أو جمعية لأننا نكون قد ناقضنا بذلك الفصل 35 والمعلوم حسب نص الفصل 146 بأن أحكام الدستور «يؤوّل بعضها البعض كوحدة منسجمة»..

الواضح أن هنالك إشكالا.. فنحن إزاء حزب يعبّر عن قناعات عقائدية تدخل تحت طائلة الفصل 35 ولكن الفصل 31 لا يمنع من التعبير عنها كحرية فردية مضمونة لسائر التونسيين...

والإشكال الأكبر لا يكمن هنا إذ بإمكان القضاء وغدا المحكمة الدستورية لو رفع إليها الأمر بأن تحسم الجدل القانوني.. الإشكال سياسي بالأساس فلم تسع الدولة لاتخاذ إجراءات قد تفضي إلى المنع القضائي ولم تتعامل مع حزب التحرير كحزب عادي.
وهذه حالتنا في جل القضايا: عدم الجرأة على الحسم.. إذ الواضح أن حزب التحرير ليس حزبا عاديا ولذا فهو محظور في جل الدول الديمقراطية ولكنه لا يُعتبر تنظيما إرهابيا كذلك...

لا أعتقد شخصيا أن وجود حزب التحرير يثير، في حد ذاته، إشكالا خاصا ولكن الانسجام مع مقتضيات دستور 2014 مسألة جدية لا يمكن ان نتعامل معها فقط وفق نظرة سياسية ذرائعية...

والمطلوب من السلطة التنفيذية أن تفصح عن نيتها الفعلية وكذا السلطة القضائية أن تتعهد ولو من تلقاء نفسها بهذا الملف لتقول ما هو القانوني وغير القانوني فيه دون السقوط لا في التساهل الملائكي ولا في التضييق على حرية الفكر والتعبير مهما بدت لنا هذه الأفكار غرائبية شريطة التزامها السلمية وإن هي أرادت الانتظام الحزبي أو الجمعياتي فينبغي على أصحابها أن يعلموا أن مقابل هذا الانتظام يعني كذلك الالتزام المعنوي والحرفي بمقتضيات دستور البلاد وبكل رموز سيادتها الوطنية.

المشاركة في هذا المقال