Print this page

إنطلاق أشغال الهيئة العليا المستقلة للانتخابات: توتر المناخ العام يحجب نصف الكأس الملأى

تتصاعد حدة الاحتقان في المشهد التونسي لتلقي بظلالها على المواعيد والاستحقاقات الانتخابية في 25 جويلية و17 ديسمبر 2022، ليكون المشهد مركبا

مفتوحا على عدة احتمالات افضلها هو ان تتمكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من لعب دورها وتهيئة مناخ سليم للاستفتاء كخطوة اولى.
دور كشف اعضاء الهيئة في اول اجتماع لمجلسها المركزي امس الجمعة انه «معلوم» وان القوم ومعهم الادارة التنفيذية مدركون لما هم مقبلون عليه. فوفق تقيمهم هم امام حتمية انجاح الموعد الاول وهو الاستفتاء إذ بدونه ستقذف البلاد الى مربعات مجهولة غير معلومة المصائر.
توقع هو بمثابة التحذير الذي اطلقته الهيئة المستقلة وأعضاؤها السبعة الذين ادوا اليمين لتسلم مهامهم يوم الخميس الفارط قبل ان يباشروا امس اول اشغالهم التي استهلت بتقديم رزنامة اولية للاستفتاء والمحطات الرئيسية في هذا الاستحقاق.
رزنامة قدمت الهيئة تفاصيلها ولكن الاهم لم يكن في التواريخ او المراحل المقترحة بل في مضمون تصريحات الاعضاء السبعة، التي تعلقت اساسا بأنهم «هيئة مستقلة» وانهم على ذات المسافة من الجميع: الحياد المطلق والتام والهيئة ليست خاضعة لأي طرف داخلي او خارجي وستثبت استقلاليتها للجميع.
دفاع استهله رئيس الهيئة وعدد من الاعضاء الاخرين الذين انطلقوا من التشديد على انهم على مسافة واحدة من الجميع وانهم مستقلون عن الجميع ولا ولاء لهم لأي طرف في اللعبة السياسية بما في ذلك رئيس الجمهورية. كما ان كل مجالس الهيئة السابقة كانت حريصة على نزاهة الانتخابات وسلامتها وهو تعليق غير مباشر على اتهامات الرئيس قيس سعيد بتزييف الانتخابات السابقة.

موقف الاستقلالية والتمسك بها وعدم الخضوع لاي طرف كان، هو الرسالة التي حرص اعضاء الهيئة على ان تصل صريحة وواضحة لكل الاطراف بهدف طمأنة الجميع على ان الهيئة لن تنحرف عن دورها التحكيمي وضوابط ادارة العملية الانتخابية بما يضمن المساواة والنزاهة.
لكن هل يكفي ان يعلن اعضاء الهيئة انهم مستقلون وغير موالين لاي طرف ليستقبل الاعلان بحفاوة كبيرة ويزيل الهواجس والمخاوف التي تلاحق المسار السياسي والانتخابي الذي اطلقه الرئيس في ديسمبر الفارط. الاكيد ان هذا غير كاف خاصة وان الهيئة تنطلق برصيد سلبي وتشكيك صريح ومبطن من قدرتها على ادارة العملية الانتخابية منذ بدايتها الى نهايتها بما يضمن نزاهتها.

تشكيك لا يقف عند هوية اعضاء الهيئة والقانون المنقح الجديد بل يشمل المناخ العام الذي تعيشه البلاد. في ظل تسارع خطوات الرئيس قيس سعيد في فرض مساره السياسي وفق تصوراته وشروطه على كل اللاعبين في المشهد سواء كانوا داعمين او خصوما. اضافة الى الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تتغذي من ازمة سياسية وسوء المناخات العامة.

مناخات عامة لا تتحكم في تفاصيلها او كلّيتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بل هي مسؤولة فقط عن تهيئة مناخات الاستحقاقات القادمة. بفرض الزمن الانتخابي ونسقه على الجميع بما يساهم في ادارك ضرورة البحث عن تنقية المناخات السياسية والاجتماعية في أقرب الآجال.
دور ضبط الايقاع وتنقية المناخ هو ما يلقى على كاهل الهيئة وأعضائها السبعة الذين يتمتعون نظريا بحصانة واسعة تجعلهم قادرين على امتصاص اي ضغط يسلط عليهم من اي جهة ويمنحهم صلاحيات كبرى لفرض سلطتهم التحكيمية في ادارة الانتخابات والاستعداد لها وكل ما يتعلق بهذه العملية والحرص على عدم المس بمصداقية الهيئة او نزاهتها التي ستكون ضريبتها مكلفة.

دور سيتضح ان كانت الهيئة ستلعبه بشكل جيد ام لا ولكن في كل الحالات الكرة اليوم تلقى الى السياسيين والماسكين بمقاليد الفعل السياسي بالبلاد. لتهيئة المناخات لضمان حسن سير الاستحقاق القادم في 25 جويلية، واولى الخطوات المطلوبة هي خفض منسوب الاحتقان والانقسام الذي قسم الشارع التونسي وغذى الاستقطاب الحاد.

استقطاب ان استمر بهذه الحدة سينعكس باشكال عدة على الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاء ولا احد بمقدوره ان يخفض من منسوبه او يتحكم في نسق تصاعده غير رئيس الجمهورية الذي يتحكم في نسق الفعل السياسي بالبلاد وتحديد الوجهة القادمة.

المشاركة في هذا المقال