Print this page

قبل الحوار وقبل الإصلاح وقبل الانتخابات: تونس تحتاج إلى الهدوء

يجمع التونسيون، أو يكادون،على أن مشاكل البلاد معقدة وهيكلية ومتضافرة حتى وإن كان تشخيصهم لهذه المشاكل مختلفا ومتناقضا أحيانا ولكننا لا نعلم - بصفة جماعية –

من أين نبدأ وكيف نرتب أولويات الإصلاح قبل التفاهم حول مضامينه.
تحتاج كل عملية إصلاح إيجابية إلى توفير الطاقة اللازمة وفق عقلانية صارمة أي إحداث التناسب بين بذل الطاقة وتحقيق النتائج المرجوة ..
من وجهة النظر هذه تونس بلاد تُهدر فيها الطاقة وتنفق بلا جدوى فكأننا أمام محرك سيارة فيه ثغرات في كل جهاته لذلك يُكثر من استهلاك الطاقة (الوقود في وضعية الحال ) دون قدرة على الحركة (وهو الهدف المنشود ).
ما الذي يجعلنا كمحرك عديم الجدوى ؟
يبدو لنا أن نقطة الارتكاز الأساسية تدور حول عدم قدرتنا على التصرف الحكيم في خلافاتنا إذ سرعان ما تتحول إلى صراعات راديكالية وإلى انقسامات يضيع فيها الأساسي فنحول كل أو جلّ العناصر الحيوية التي يتوفر عليها مجتمعنا إلى معاول هدم والى إهدار متبادل للطاقات اعتقادا منا أن هزم المخالف / العدو بالضربة القاضية هو البداية الضرورية لكل شيء.
لو أخذنا المجتمع، أي مجتمع، كمنظومة ديناميكية تتغذى من تنوعها وتآلفها كذلك، للاحظنا أن المجتمعات التي تمكنت من تغليب المؤتلف على المختلف والعمل وفقه والتقدم بمقتضاه وفق رؤية طموحة للمستقبل هي المجتمعات التي تمكنت في ظرف جيل واحد من تحقيق قفزة تنموية وعلمية هائلة مقارنة بالمجتمعات التي جعلت من خلافاتها عناصر تناحر قائمة على الاستعداء المتبادل الذي يصل بها أحيانا إلى الاحتراب الأهلي.
المسالة هنا لا تتعلق -فقط- بالمنحى التشاركي للحكم بل أساسا بالمناخ الموتور الذي يسود البلاد منذ 11 سنة وحتى اذا انخفض منسوب التوتر فإن ذلك لا يعود إلى الوعي بضرورة البناء المشترك بل بهدنة سياسوية تتجنب فيها أطراف الحكم إيذاء بعضها البعض وتتقاسم فيها ما تعتبره كعكعة الحكم بما هي مناصب وامتيازات وشبكات زبونية وحماية متبادلة.
إن مناخ التخوين المتبادل والاستعداء السياسي والغياب الكلي للتشاركية والحشد المستمر للأنصار قصد مقارعة «العدو».. كل هذا يوجه عناصر القوة الحيوية للبلاد للتناحر الذي لا يبقي محالا للبناء المشترك ويقسم المجتمع إلى درجة العداوة المتبادلة بدل صراع الأفكار والمتقرحات وفي إطار من الهدوء الضروري لوضع الأولويات الحقيقية للبلاد والتي تتمحور كلها حول شروط خلق الثروة وطرق توزيعها الأكثر عدلا والأقدر على الرقي بعموم المواطنين وتحويل العدالة الاجتماعية إلى فرص جديدة لخلق الثروة وللارتقاء في سلم القيم..
أين نحن من كل هذا ؟
يبدو أننا تهنا في الطريق وحوّلنا هذه الفرصة التاريخية الاستثنائية في حياة الشعوب،الثورة الديمقراطية ،إلى عنصر إضافي للهدم وللاحتراب ..
التدارك مازال ممكنا رغم كل شيء...

المشاركة في هذا المقال