Print this page

في الذكرى 69 لاغتيال الزعيم فرحات حشاد: الاتحاد العام التونسي للشغل يضع ملامح «الخط الثالث»

دون التخلي عن «توسّم الخير» في رئيس الجمهورية التونسية و توقعاته المتفائلة بإحتضان هذا الأخير لحوار وطني راوح الاتحاد العام التونسي

من خلال كلمة أمينه العام في التظاهرة الّتي إلتأمت أمس السبت 4 ديسمبر 2021 بمناسبة إحياء ذكرى اغتيال الشهيد فرحات حشاد ، بين المساندة النقدية و وضع ملامح خط ثالث في تفاعل إيجابي مع مسار ما بعد 25 جويلية 2021
هذا التوجه بدأ يتبلور في شق الرأي العام والقوى الوطنية و السياسية الّتي تقبلت تدابير 25 جولية بإيجابية، والتي إعتبرت أن ما أقدم عليه رئيس الجمهورية فرصة لتصحيح مسار الانتقال الديمقراطي، وفرصة لمحو مخلفات العشرية الماضية على مختلف المستويات .
فالملاحظ أن البطء والتردّد اللذين ميزا سياسة الأربع أشهر التي تلت إتخاذ التدابير الاستثنائية الّتي جمعت كل السلطات بين يدي رئيس الجمهورية وحكومته، وجمّدت صلاحيات مجلس نواب الشعب ، مما جعل وهج التأييد لهرم السلطة يتراجع ، خاصة في الأوساط الّتي كانت تنتظر تغييرا نوعيا في التعامل مع الشأن العام ، و مع مستلزمات إنقاذ الاقتصاد الوطني من مزيد من التردّي وتنقية المناخ الإجتماعي ، بعد تواتر تصريحات إنطلقت كـ«سهام» في اتجاه فئات متعدّدة أحيانا على خلفيات سياسية و أحيانا على خلفيات شبهات فساد ، و تحت مسميات تراوح بين الدعوة إلى «التطهير» و إثارة خلفيات سلوكية تهم الحياة الخاصة للأفراد.
إزاء هذا الوضع ، انقسم الرأيان العام والخاص بين مؤيد لقيس سعيد أحيانا بدون تحفظ، و أحيانا أخرى مع بعض التحفظ ، من جهة ، و بين معارض له بمبررات دستورية أو بتوصيف لما حدث بالانقلاب على الشرعية و الديمقراطية ،من جهة ثانية .و على أساس هذا التقسيم انقسم الشارع في التظاهرات الّتي تمّ تنظيمها للتأييد أو للتنديد .
ولكن عامل الزمن و إكراهات الإنتظار وتفاقم الأزمة ولّدا شيئا فشيئا ،شعورا بالخذلان وبالإحباط لدى المتفائلين بمستقبل تونس بعد أن ساد الاعتقاد بأنها قطعت مع المنظومة القديمة وانخرطت في المسار التصحيحي المنتظر.و تعمّق هذا الإحساس خاصّة بعد أن غابت إجراءات الإصلاحات العاجلة و تعطلت قنوات الحوار ، و تواصل الخطاب الشعبوي التحريضي و المتشنج أحيانا ، دون أي ترجمة عملية لما كانت تنتظره الفئات الشعبية من إصلاح لحالها و حال البلاد.
وبما أن الرجوع إلى الوراء بدا غير ممكن وغير مرغوب فيه من أوسع الفئات ،رغم تلويح النهضة والمتحالفين معها بإمكانية إستعادة المنظومة القديمة لزمام المبادرة ، وبما أن مواصلة الدّفاع عن تدابير رئاسة الجمهورية دون حيازة أدوات دفاع مستساغة ،( مثل تحديد سقف زمني للمرحلة الإستثنائية ودون المبادرة برسم طريقة إنقاذ سياسية بصورة واضحة) ،تسرب التململ في صفوف المؤيدين ليرتسم خط ثالث ، يرفض الرجوع إلى الوراء بكل ما فيه ،كما يرفض إبقاء الحال على ما هو عليه، و تواصل الحالة الاستثنائية إلى ما لا نهاية ، الأمر الّذي يبرّر الدعوة إلى خلق جبهة مبادرة من القوى الوطنية الفاعلة لضبط مقترحات عملية تحدّد كيفية الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها و وضع خارطة طريق واضحة تحدد المهام الّتي يجب إنجازها و السقف الزمني لذلك .
في هذا السياق وبخصوص تحديد كيفية إخراج البلاد من النفق أكد نورالدين الطبوبي على أن هناك إصرارا على وضع « خارطة طريق تضبط المهام والأولويّات وبإجراءات عملية تنهي حالة التردّد والغموض وتفتح الآفاق لرسم ملامح تونس الجديدة على أساس ثوابت الجمهورية المدنية الديمقراطية والاجتماعية».
من هنا يظهر أن ملامح الخط الثالث في هذه المرحلة يريد المبادرة الفاعلة والدفع في اتجاه تفعيل المقترحات البناءة من ضمنها تلك الّتي صدرت عن رئاسة الجمهورية ، و كل ذلك في اتجاه تكريس الخطوط العامّة الّتي أشار إليها الاتحاد العام التونسي للشغل على لسان أمينه العام ، وهي خطوط سبق تداولها في أكثر من مناسبة من خلال المقترحات والبيانات والتدخلات على منابر الإعلام، والتي تتمحور حول ما سمي بإستكمال مسار بناء الديمقراطية و ذلك بخصوص «الفصل بين السلطات وتنقيح القانون الانتخابي، ومراجعة قانون الأحزاب والجمعيات والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تكون ديمقراطية وشفّافــة، ومراجعـــة مجلـة الجماعــات المحليـة والقوانيـن المنظمةـ للهيئـات الدستورية في مقدمتها الهيئة المستقلّة للانتخابات، وتفعيل دور الهيئات الرقابية وإيجاد الصيغ الكفيلة بضمان بعث محكمة دستورية مستقلّة فعليا وغير خاضعة للتّأثيرات السياسية».
و لكن يبقى هذا الخط الّذي يمكن أن يقطع مع الإنتظارية المقيتة و مع الرأي الواحد، رهن مدى لُحمة و قُوّة و صلابة قوى الإقتراح الّتي ستتبناه ، وعلى مدى تجسيم ذلك بمشاريع يقع إنجازها بسرعة مع ضبط الأولويات ، وبمدى التفاعل الإيجابي من رئيس الجمهورية الّذي يمكن أن يتقبّل ذلك على كونه أرضية للحوار الجاد لإنقاذ البلاد وليس تعطيلا لمشروعه .

المشاركة في هذا المقال