Print this page

حكومة سيعلن عنها خلال أيام وحوار وطني قريب: قيس سعيد والبحث عـن «منـاورة» مضمونـة

منذ 25 جويلية 2021 تاريخ تفعيل الفصل 80 من الدستور وما تلا ذلك الحدث من تطورات سياسية ودستورية وقانونية، ظلّ الرئيس قيس سعيد الفاعل الوحيد

في المشهد الذي بات خاضعا لقرارات الرئاسة ومعه خضع كل شيء تقريبا، بما في ذلك المفاهيم والمصطلحات والأزمنة.

هذا ما كان عليه المشهد وما سيظل عليه الى حين خروج البلاد من حالة التدابير الاستثنائية التي نظمت بالأمر الرئاسي عدد117 الصادر في 22 سبتمبر الفارط، والذي منح الرئيس صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة وحصّن قراراته وموقعه.
وضع استثنائي بلغته البلاد رغم كل محاولات القوى الداخلية من أحزاب ومنظمات للتعدل أو التغيير تمشي الرئاسة، سواء أكان الامر بالدعوة الى التشاور او وضع حد زمني لاستمرار التدابير او كيفية اختيار رئيس الحكومة وغيرها من النقاط التي اعتبرتها منظمات على غرار اتحاد الشغل «ضمانات» لعدم انحراف المسار في اتجاه حكم فردي تسلطي.
وقد تكررت الدعوات منذ بداية شهر أوت الفارط إلى تنظيم حوار وطني يطلقه الرئيس ويشرف عليه وعلى مخرجاته، ولكن الدعوات قابلها رفض في اوله كان تلميحا قبل ان يكون مباشرا وصريحا من قبل الرئيس الذي جعل بينه وبين كل مكونات المشهد من احزاب كانت داعمة له ومنظمات سدا حال دون التواصل والتشاور.
هذا ما كنت عليه تونس في الاسابيع الاولى لما بعد 25 جويلية، رفض صريح من الرئيس للتفاعل مع ما يمكن اعتباره مكونات «التنظيمات التمثيلية والوسطية» ورفض للاستجابة لمطلب الحوار الصادرة من الداخل والذي ظلت متابعته للمشهد وتطوراته تعتمد على ما يصطاده من اخبار او ما يفكه من رموز في كلمات الرئيس.

«الداخل» قابله الرئيس بتجاهل شمل الجميع ولم يستثن حتى الاحزاب المحسوبة عليه والتي باتت تتطلع مثل جزء واسع من التونسيين إلى «قرارات» الرئيس القادمة عبر بلاغات صحفية تصدر عن نظراء الرئيس في الدول الصديقة او ألشقيقة. على غرار ما عاشت على وقعه البلاد في نهاية الاسبوع الفارط حينما صدر بلاغ عن الرئاسة الفرنسية أعلنت فيه ان الرئيس التونسي قيس سعيد ابلغ نظيره الفرنسي ماكرون في مكالمة هاتفية جمعتهما يوم السبت الفارط «أن الحكومة ستتشكل في الأيام المقبلة، وأن حوارا وطنيا سيبدأ في أعقاب ذلك».

هذا الاعلان الصادر عن الرئاسة الفرنسية غاب في بلاغ رئاسة الجمهورية كليا، وهذه ليست المرة الاولى التي تكون فيها بلاغات الرئاسة التونسية مختلفة في مضمونها عما يصدر في بلاغات لرؤساء تباحثوا بالهاتف معها، او لوفود اجنبية تم استقبالها في قصر قرطاج.

هذا التعتيم و-رغم ثقله- ليس الحدث بل إن الحدث ان حوارا وطنيا سينطلق عقب الاعلان عن الحكومة. هذه الحكومة التي كلفت رئيستها نجلاء بودن في بداية الاسبوع الفارط وحث الرئيس على الإسراع في تشكيلها يبدو انها ستشهد النور خلال هذا الأسبوع ووفق ما يسرب من معطيات قد يكون ذلك اليوم أو الساعات القادمة.
حكومة قد تحجب تركيبتها غابة الحوار الوطني الذي اخبر الرئيس سعيد نظيره ماكرون انه سينطلق فيه «في اعقاب ذلك». وذلك لا يعني اننا قد نشهد انطلاقا لحوار وطني على شاكلة حوار 2013 او حوارات قرطاج 1و2 خلال الايام القادمة. رغم تأكيد الامين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي ان الرئيس سعيد قد أبلغه ان الحوار سينطلق قريبا وستكون الاحزاب باستثناء النهضة مشاركة فيه.
وقد أعلن الرئيس عن موقفه من الحوار والحوارات في مناسبات عدة قبل 25 جويلية بل وقدم تصوره للحوار في 24 مارس2021 حينما التقى مع نزار يعيش وزير المالية الاسبق الذي كلف بوضع تصور للحوار الوطني من قبل رئيس الدولة.

«حوار وطني» وفق تصور الرئاسة هو حوار يشارك فيه الشباب بالاساس لتقديم تصوراته وحلوله ومدى مشاركة المنظمات الوسطية والتمثيلية كالأحزاب والمنظمات ان شاركت. وذلك من أجل الاستماع واخذ هذه المقترحات وتنفيذها. ففي مارس اقترح الرئيس تنزيل تطبيقة app موجهة للشباب ليقدم حلوله لأزمات البلاد ويتولى«التقنيون» تنفيذها.
هذا التصور الذي قدم في تلك الفترة التي تميزت بأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، سيكون جوهر الحوار الذي سيطلقه الرئيس في الايام او الاسابيع القادمة، اذ ان الرئيس لن يطلق حوارا من اجل مناقشة الاصلاحات الدستورية والقانونية بل سيكون حوارا يعزز النقاط التي سجلها في مساره نحو «تغيير المنظومة».

حوار يقدمه الرئيس للمطالبين به وفق ما اعلنه من نوايا نقلها عنه اولا ايمانول ماكرون ولاحقا زهير المغزاوي، يبدو انه سيكون مختلفا عما تنتظره الاحزاب والمنظمات في تونس، فالرئيس لازال متمسكا برفض الولوج الى منطقة السياسة التقليدية وهذا يعنى انه سيواصل رفض الحوار مع النخب السياسية والاجتماعية لانها تجسد «الديمقراطية التمثيلية» التي يمقتها الرئيس لانها تدفع بنخب متمرسة الى الحكم وتحول بينه وبين الشعب.
رفض اعرب عنه الرئيس قبل ان تصبح بيده كل اوراق السلطة، ولا يبدو انه قد يغيره الى القبول به اليوم مما يعنى ان الحوار المقصود هنا «مناورة» يريد من خلالها سعيد ضمان دعم الدول المانحة بالأساس. فهي من طالبت وجعلت من دعمها المالي لتونس مقترنا بتشكيل حكومة وانطلاق في حوار وطني.

المشاركة في هذا المقال