Print this page

بعد تعدد التصريحات الصادة عن الرئاسة وتناقضها: هل نتجه إلى نظام مؤقت أم مناورة دستورية ؟

منذ 25 من جويلية 2021، كان جليا ان الرئيس قيس سعيد يتحرك لتهيئة المناخ السياسي في البلاد ليكون ملائما لخطواته القادمة

والتي كانت ولا تزال «اعادة» ترتيب الحكم والصلاحيات ليجعله بيد الرئيس بصفته اعلى هرم السلطة التنفيذية والذي يدير أجهزة الدولة.

هذه التصور لنظام الحكم لم يكن خافيا، فالرئيس سعيد لم يخف تفضيله للنظام الرئاسي ولا انتصاره الى النظام السياسي الذي يقوم على اعتبار الحكومة الذراع التنفيذي للرئيس وليست «رأسا» للسلطة التنفيذية لتنافسه الصلاحيات والاختصاصات أي أن سعيد ومنذ أن منح له الدستور تكليف الشخصية الاقدر لتولي منصب رئيس الحكومة اثر فشل الحبيب الجملي الذي رشحته حركة النهضة لمنصب رئيس الحكومة، كان حريصا على ان يستعيد هذا الجسم من السلطة التنفيذية والذي جعله الدستور خاضعا للبرلمان، سواء بالمراقبة والمساءلة او سحب الثقة ومنحها.

سعيد منذ حكومة الفخفاخ حريصا على ان تكون الحكومة «حكومات الرئيس» لا سلطة مستقلة بذاتها تقارع الرئيس في النفوذ والصلاحيات، وتجدد هذا مع حكومة المشيشي التي بحث سعيد عن اسقاطها غداة استشعاره ان من كلفه انقلب عليه وعقد تحالفات مع الاغلبية البرلمانية.
تفضيل سعيد للنظام الرئاسي لم يقع التعديل فيه او التراجع عنه، فالرئيس ظل وفيا لهذا الخيار ومدافعا عنه قبل وبعد 25 جويلية، لكنه وجد معضلة دستورية وقانونية للانتقال من نظام مزدوج الى نظام رئاسي حتى بعد ان فعل الفصل الـ80.

معضلة، يكشفها انقضاء الوقت، فرغم مرور اكثر من 50 يوما عن إعلان التدابير الاستثنائية واكثر من شهر عن كلمة سعيد في مطار تونس قرطاج، و20 يوما عن صدور بلاغ التمديد في العمل بالفصل الـ80 وتجميد اختصاصات البرلمان وسحب الحصانة عن النواب، لازال الرئيس يبحث عن «خلطته» السحرية للانتقال من النظام السياسي الذي اقره دستور2014 الى نظام حكم يتماشى وقناعات الرئيس.

قناعات ظل المعلوم منها «قمة جبل الجليد» اي النظام الذي يحبذه الرئيس، لكن لم نعلم كيف سيقع تنزيلها، خاصة وان التصريحات الصادرة عن الرئاسة نفسها تناقض بعضها البعض.

والتناقض لا يقتصر على الاختلاف في مضمون تصريح الرئيس سعيد مع تصريح مستشاره الدبلوماسي وليد الحجام، اذ ان الرئيس اعلن في نهاية الاسبوع الماضي انه «يحترم الدستور ويعمل وسيعمل في إطاره. فيما أعلن مستشاره ان الرئاسة تمضى الى تعليق العمل بالدستور. بل ان الرئيس وفي مناسبات عدة كشف انه يعتبر الدستور صيغ ووضع بطرق مواربة وغير نزيهة وانه يعكس المحاصصة والتناقضات وان العمل به غير ممكن، هذا بالإضافة الى انه أعلن في مطار تونس قرطاج منذ شهر تقريبا ان الحكومة ستكون وفق تنظيم يعكس ارادة التونسيين.

تضارب التصريحات وعدم وضوح مصير دستور 2014، لا يعنى ان الرئاسة لم تحسم خيارها بشأنه او يخفى اعتباره له في حكم «الملغى»، فبالنسة لها الدستور وما يتضمنه من فصول واحكام بات عقبة امام «تصحيح المسار»، سواء أتعلق بتكوين الحكومة او مصير البرلمان او غيرها من الخطوات والتفاصيل.
اي ان الرئاسة وان اعلنت على لسان رئيس الجمهورية انها تحترم الدستور وتعمل في اطاره لا تعلن التزامها بالبقاء فيه او عدم الذهاب الى قراءة مشابهة لقراءة الفصل 80 لاتخاذ خطوات في اتجاه تعليقه او تأويله بما يتماشى مع خطتها.

وخطة الرئاسة وفق ما اعلنته بإشكال عدة مباشرة اوغير مباشرة او عبر تصريحات رسمية للرئيس او لمستشاريه او عبر ما تروجه الاوساط المقربة منه والمحسوبة عليه، تتمثل في اعلان تنظيم مؤقت للسلط العمومية يمكن الرئيس من تسمية وزير أول وحكومة وسن المراسيم والقوانين الى حين استكمال تعديل الدستور والقانون الانتخابي وعرضهما على الاستفتاء.
خطة وان ابدت الرئاسة بعض التناقضات بشانها من خلال التصريحات، الا انها لاتزال قائمة وما يعطل عملية تنزيلها عملية الاخراج كيف سيقع ذلك دون ان يقع التراجع عن تعهد الرئيس بانه يعمل في «اطار الدستور»، اي كيف يمكن ان يقع الانطلاق من الدستور نفسه لتعليقه وسن قنانون منظم للسلطة العمومية.

عناصر تأخر الرئاسة عن الاعلان عن الحكومة ووزيرها الاول رغم ان البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية في أوت الماضي والذي تعلق بتمديد العمل بالتدابير الاستثنائية، تضمن بشكل صريح اشارة الى ان الرئيس سيتوجه في «الايام القليلة القادمة» بكلمة للشعب كان من المنتظر ان تتضمن تفاصيل خطة الرئاسة وكيفية ادارة المرحلة الاستثنائية الى نهايتها التي ستكون عبر انتخابات.

المشاركة في هذا المقال