Print this page

رئيس جمهورية خارج الجغرافيا ورئيس برلمان خارج التاريخ ورئيس حكومة خارج الخدمة: الدولة التونسية: إلى الوراء .. سر !

بلادنا بين فكي كمّاشة الجائحة الصحية والأزمة المالية: أرواح تتهاوى وأرزاق تتلاشى، ولكن حتى هذه الكوارث مجتمعة لا نرى لها أثرا لدى أهل الحكم

بل نرى شقوقهم وشقاقهم ولدى أصحاب التأثير كذلك وتنطبق على جميعهم الآية القرآنية «كل حزب بما لديهم فرحون».. كلّهم منغمسون في معاركهم الصغيرة وفي انتصاراتهم الوهمية والبلاد تغرق ولا وجود لبوادر ردة فعل للحدّ من الكارثة ولتصرف مقبول في الأزمة ..
لو كان لدى كل هذه القوى الفاعلة والمؤثرة في حياتنا اليومية وعي بأن هذه المخاطر المحدقة بأرواح الناس وأرزاقهم وباستقرار البلاد وسيادتها هي أولوية الأولويات وأنها أهم بكثير من نرجسياتهم ومن كبريائهم المصطنع لوضعت البلاد على سكة الإنقاذ بكل يسر ..
نحن بصدد تجربة مآسي حكم الأوهام والأهواء وتسلطها على العقل بما هو حساب المصلحتين العاجلة والآجلة وتناسب الطاقة المنفقة مع النتائج المرجوة ..

• رئيس الجمهورية في جغرافيا لا يعرف سرّها سواه وبعض المقربين منه ..ولكننا لا نجده في جغرافيتنا نحن إلا كظاهرة صوتية.. عالمه كله محاربة لدسائس وخيانات ومؤامرات وغرف مظلمة ومـا يقترحه علينا – وعلى كل من يلتقي به – هو «نظرة جديدة» و«مقاربة جديدة» و«تصور جديد» وعندما ينزل من عالم المثل إلى عامل الواقع لا يكون إلا في الصدّ وفي إنكار أي دور للمؤسسات التي لا تأتمر بأوامره .
ولكي يبتعد عن هذا الواقع الكريه يحلق من جديد في مدينة الأغالبة الصحية وفي القطار السريع الذي يربط مدينة بنزرت بجنوب البلاد..

• رئيس البرلمان له تاريخه الخاص، تاريخ لا يلتقي مع تاريخنا الفعلي الواقعي ..في ما مضى كان التاريخ العجائبي للإسلام الأول،تاريخ المقدس المنقطع عن الواقع المعيش للمسلمين الأوائل ..ثم الآن تاريخ ومستقبل حركته إن لم يكن تاريخه ومستقبله الشخصي ..وكل معاركه تدور حول هذه الثلاثية فقط رغم سعي المقربين منه إلى الربط المتعسف بين هذا التاريخ الهائم وتاريخ وواقع بلادنا الفعليين ..
هذا التاريخ الوهمي المهيمن على المناخ الذهني لرئيس البرلمان ولحاشيته يجعله لا يدرك بوضوح انه أصبح منذ مدّة أحد مشاكل البلاد الأساسية وأن إنقاذ حزبه يقتضي التضحية بشخصه ..
ولكن الإصرار الغريب على ربط مصير البلاد بمصير حركته،ومصير حركته بمصيره الشخصي يجعلنا أمام مغامرة شخصية مدمرة قد تأتي بدورها على الأخضر واليابس..

• رئيس الحكومة –نظريا – هو الأقرب إلى جغرافيتنا وتاريخنا وكان بإمكانه أن يؤسس على هذا وأن يخدم البلاد بما استطاع دون الارتهان لأحد،وخاصة لحزام سياسي تطغى عليه الانتهازية والتطرف ..
ولكن لأسباب يبقى بعضها مجهولا قرر رئيس الحكومة ارتهان البلاد كلها لحزام آيل إلى السقوط وخرج بذلك عن جغرافيتنا وعن تاريخنا واعتقد انه المضاد الحيوي الوحيد لدون كيشوت وانه سيحاصره، محاصرة لصيقة في الداخل والخارج بالقضاء – السياسي والإداري – على رجاله ونسائه وببلورة تصور مضاد لـ«المقاربات الجديدة» يقوم على السؤال والتسول باعتباره «الحل الوحيد» الذي بإمكانه – لو رقّت قلوب بعض الأقوياء – أن يوفر لنا بقايا اللقاحات وفتات الأموال عساه (لا عسانا) يتجاوز به الأسابيع والأشهر القادمة فدخوله للسنة الثانية وهو في القصبة قد يجعل من بقائه أمرا واقعا يفرض على الجميع اعتبار أن الخروج الفعلي عن الخدمة قد يكون أقل ضررا وأكثر مقبولية من الخروج التام من الجغرافيا ومن التاريخ ..

أما عن بحث حكومتنا لدى منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية للتجارة على إمكانيات تصنيع اللقاح في بلادنا فذلك هو عين المهزلة لأننا نعلم جيّدا أن العنوان الوحيد لعملية كهذه هي المخابر الدولية المالكة لبراءات الاختراع فقط لا غير،وأن هذه العملية معقدة للغاية ومكلفة ماليا وهي لن تحل مشكلة توفير اللقاحات لبلادنا على المستوى العاجل.
ورغم كل هذا فنحن لم نفقد الأمل في عودة ما للوعي عند حكامنا وفي إحساسهم بخطورة الوضعيتين الصحية والمالية وما قد ينجرّ عنهما من تداعيات خطيرة على الدولة وعلى المجتمع ،وأن ينخرطوا جميعا في جغرافية البلاد وتاريخها وحاضرها ومستقبلها وأن يتعاونوا على إنقاذ كل ما يمكن إنقاذه..
أما لو استبدت بهم الأهواء والأوهام فسيكونون شركاء في الخراب ولن نستثني منهم أحدا.

المشاركة في هذا المقال