Print this page

في الإجراءات الجزئية لمجابهة الجائحة الصحية: «حرب» بلا قيادة ولا استراتيجيا ولا قدرات «قتالية»

كرر أعضاء اللجنة العلمية ومسؤولو الحكومة ووزارة الصحة القول خلال هذين الأسبوعين الأخيرين أن الوضعية

الوبائية خطيرة للغاية وأن عدد الإصابات والوفايات في ارتفاع مطرد وأن منظومتنا الصحية رغم التفاني الكبير لكل العاملين فيها قد لا تكون قادرة في الأيام القادمة على معالجة كل المرضى ولا سيما أولئك الذين يحتاجون إلى العناية المركزة ،فنحن إذن في حالة «حرب» فعلية ضدّ هذا الفيروس وضد موجته الثالثة الفتاكة.. أو هكذا قد يُخيّل ألينا ..
الندوة الصحفية التي انتظمت يوم أمس في رئاسة الحكومة بالقصبة للإعلان عن «الإجراءات» الجديدة أكدت لنا بأن هذه «الحرب» لا تمتلك قيادة ولا استراتيجيا ولا قدرة «قتالية» حتى لتحقيق بعض الأهداف الجزئية التي تعلنها بين الفينة والأخرى السلطة التنفيذية ..
في مارس 2020 عندما كان عدد الإصابات في أقصى الحالات بالعشرات وعدد الوفايات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة يوميا عقد رئيس الجمهورية أكثر من مرة مجلس الأمن القومي وكان رئيس الحكومة يتدخل كل مرة في وسائل الإعلام ليفسر سياسة الدولة أما وزير الصحة فكان ينتقل من ندوة صحفية إلى وسيلة إعلامية محذرا وموجها ..وقد خلق كل هذا رغم راديكالية القرارات حالة من الاطمئنان والانخراط – النسبي طبعا – لاحترام حزمة القرارات الحكومية ..
منذ بداية حكومة المشيشي أي منذ الموجة الثانية ثم الثالثة للجائحة انسحب رئيس الجمهورية بصفة شبه كلية وبقي فقط مهتما بتسجيل بعض النقاط عندما يتعلق الأمر بتوريد كميات جزئية من اللقاحات أما رئيس الحكومة فبعد تدخلات محدودة في البداية تراجع بدوره إلى المواقع الخلفية تاركا وزير الصحة واللجنة العلمية في الواجهة،إلى أن وصلنا يوم أمس إلى غياب شبه كلي للقيادة السياسية لهذه «الحرب» التي نزعم خوضها أمام عدو مخاتل وقاتل ..

لا فائدة اليوم في العودة إلى الإخفاق الكبير في الاستباق الأدنى لعملية التلقيح لأننا تركنا أيضا هذا الملف الحيوي منذ الصائفة الماضية دون قيادة سياسية جدية وحازمة ودون بذل قصارى الجهد وكل السبل والتكتيكات لتحصين كل ما يمكن تحصينه من اللقاحات ونحن نعلم علم اليقين أن المنافسة الدولية ستكون شرسة إلى ابعد الحدود..
كل هذا ينتمي اليوم إلى الماضي ، ولكن ماهي الوضعية الآن ؟ كم سيكون عدد الملقحين ولو بجرعة واحدة خلال شهري ماي وجوان القادمين ، ماهو الأكيد والظني في الكميات التي ستصلنا من التلاقيح ؟ لا إجابة، بل لم تر الحكومة انه من الضروري إعلام المواطنين بأهم مسألة تتعلق بالجائحة اليوم ..
إذن لن نكون قادرين على تلقيح ثلاثة ملايين مواطن كما وعدتنا الحكومة في موفى شهر جوان ،بل قد لا نصل إلى مليون ملقح،أي أننا سنكون بعيدين جدا عن بداية المناعة الجماعية خلال أسابيع كثيرة قادمة.. ما العمل إذن ؟
كيف نحمي التونسيين من غوائل هذه الموجة الثالثة وهم دون تلقيح ؟ هنا جاءتنا أجوبة باهتة مكررة من صنف احترام البروتوكول الصحي والاستغراب من عدم احترامه في المقاهي والأسواق والأحياء و.. وكأن الحكومة تحولت إلى «كرونيكور» تعلق على الأحداث ولا قوة لها على التأثير فيها ..
واغرب ما في الندوة الصحفية ليوم أمس هو الإعلان عن إعداد مشروع قانون للطوارئ الصحية من مهامه ردع المخالفين ! نعم هكذا !
ألا تملك اليوم الشرطة وكل أجهزة الرقابة وسائل الردع ؟ من المخالفات المالية إلى غلق المحلات إلى حجر صحي جزئي إلى حظر الجولان !...
فالسؤال هنا لا يكمن في الاستغراب من عدم تطبيق المواطن للبرتوكول الصحي بل في عدم نجاعة كل أجهزة الرقابة في فرض تطبيق هذا البروتوكول على الجميع وكذلك في غياب كلي لحزمة الإجراءات الكفيلة بالحد من انتشار العدوى باستثناء مواصلة غلق المدارس والمعاهد ومواصلة التعليم العالي التدريس عن بعد إضافة إلى الحجر الصحي الإجباري بأسبوع للوافدين على البلاد ..

أي الإجراءات التي لا تكلف الدولة دينارا واحدا ولا تستدعي مرافقة اقتصادية واجتماعية لأحد..
نحن نعلم جيدا أن كل الإطارات والأعوان المتدخلين في عملية مجابهة هذه الجائحة من ابسط عون إلى الوزير هم بصدد بذل جهود استثنائية ومضنية ولكنهم ليسوا الذين يقودون هذه الحرب وهم لا يضعون استراتيجياتها ولا يملكون كذلك وسائل فرضها في الواقع..
لقد عرتّنا هذه الموجهة الثالثة وبينت بطريقتها الخاصة أن البلاد بلا قيادة – في مقاومة الجائحة وفي كل الملفات الأخرى – ولا استراتيجيا ولا فاعلية لإنفاذ جدي وشامل لما يُقرر..
لا نريد أن نكون عدميين فالإصلاح ممكن دوما ولكن أول شروطه وعي كبار السؤولين في الدولة بأن تونس أكبر وأهم بكثير من نرجسياتهم ومعاركهم الشخصية والحزبية الصغيرة وأنهم مجبورون جميعهم على العمل مع بعض لإنقاذ البلاد وتوحيدها لمقاومة هذه الجائحة بداية ومخاطر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ثانية ..
نسقوا، تعاونوا، اشتغلوا مع بعض وبأكبر منسوب من النجاعة وإلا فارحلوا جميعا وأعيدوا، كلّكم، الكلمة إلى الشعب !

المشاركة في هذا المقال