Print this page

ارتفاع نسق انتشار العدوى بالكوفيد- 19: ضرورة تعديل السياسيات العمومية لتجنب الكارثة

لا حيف في القول بوجود فشل في ادارة الازمة الصحية. وان هذا الفشل مرده سياسة الحكومة المتبعة

في إدارة أسوإ ازمة صحية عرفتها تونس. حائجة اودت الى حد الان بحياة 10304 تونسيا.
هذا الرقم على ثقله سيكون بسيطا مقارنة بالسيناريوهات القادمة خاصة وان المنظومة الصحية اوشكت على الانهيار في ظل ارتفاع مطرد في عدد المصابين الذين يتلقون العلاج في المستشفيات وهو عدد مرشح للارتفاع بشكل مخيف في ظل ارتفاع نسق انتشار العدوى اذ سجل خلال الاسبوع الممتد من 20 الى 26 افريل معدل اصابات يوميا يقدر بـ2081 اصابة ، وهو مقارب للمعدل الذي سجل في منتصف جانفي الفارط.
مما يعني اننا امام حالة انتشار سريع للعدوى و يتوقع ان يتضاعف رقم الاصابات المؤكدة المكتشفة خلال الاسبوعين القادمين بالعودة للرقم المسجل من 12 الى 25 افريل وهو 28481 اصابة مؤكدة. وهو الرقم الذي سجل قبل دخول البلاد في موجة الانشار السريع وتسجيل اصابات بمعدل 2800 اصابة يوميا.
هذه الارقام كانت هي الركيزة التي انطلقت منها اللجنة العلمية لاطلاق تحذيرها من ان «الوضع الصحي خطير». وهي كلمات ثلاث تكررت باستمرار خلال الاسابيع الفارطة. ومصدرها اعضاء اللجنة العلمية لمجابهة الكورونا. الذين وطوال الفترة السابقة عمدوا الى تسريب مقترحاتهم لمجابهة الجائحة في ظل ما يعتبره بعضهم تغليب الاقتصادي والسياسي على الصحي.

فاللجنة تقترح في اللقاءات الرسمية التي لا يسمح بخروج المعطيات منها، ان يقع اقرار حجر صحي شامل وان يقع غلق الحدود كليا بهدف التحكم في نسق انتشار العدوى ولكن الاهم منع دخول السلالات البرازيلية والجنوب افريقية والطفرة الهندية الى تونس.
هذا الاقتراح قوبل برفض كلي من سلط الاشراف وهي الحكومة، التي اعلن رئيسها يوم الاثنين انه لن يكون هناك حجر صحي شامل في البلاد. وان حكومته تتابع الوضع الوبائي وترافقه باجراءات مناسبة. اجراءات ليس هذا مجال تقييمها، فقد بينت الارقام الاخيرة انها لم تحتو الازمة ولم تكسر حلقة انتشار العدوى.
انتشار كان امس من محاور اجتماع اللجنة الوطنية لمجابهة كورونا، فاللجنة تقر انها تجتمع في ظل ارتفاع عدد الاصابات والوفیات. وانها تبحث عن خفض نسق انتشار العدوى في ظل الضغط الذي تواجهه المؤسسات الصحیة العمومیة وأنها تحتاج اليوم الى الدعم سواء باعادة تنظیم و توزیع الموارد البشریة وتعزیزها ودعم الأقسام الخاصة بكوفید 19 او والترفیع في عدد الأسرة المخصصة للانعاش والأوكسجین من أجل التكفل بالمرضى. وإلا ستنهار.
هذه الارقام والتحذيرات الصادرة عن الجهات العلمية هي الاهم في تحديد نجاعة السياسة المتبعة من عدمها. وهي تبين ان ما يفصل بين منظومتنا الصحية والانهيار بضع مئات من المصابين بالعدوى الذين تتعكّر حالتهم الصحية لا قدر الله فتستوجب الرعاية الاستشفائية. حينها سنقف على مشاهد سوداوية ليست كتلك التي كنا نخشاها وهي «النموذج الايطالي» بل النموذج الهندي الذي نعايشه اليوم ونتابع تطوراته المرعبة.

بلد انهارت منظومته الصحية كليا وافترش المصابون فيه بالعدوى الارصفة فيما اكتظت المطارات في البلاد بالأثرياء وميسوري الحال الفارين منها، ليقفز ثمن تذكرة الطائرة الى 10 اضعاف ثمنها.
هذا ما يجب ان تنظر اليه الحكومة. ليس من باب المقارنة فهي غير جائزة بالمرة ولكن من باب الحيطة والحذر وإدراك ان التمشي الذي انتهجته فشل وسيفشل وستكون نتائجه كارثية إذا لم يقع التعديل والبحث عن مقاربة لا تنتصر للاقتصادي على حساب صحة الناس وأرواحهم.
المعادلة ليست سهلة ولكنها ممكنة لتقليص من الخسائر الموجعة. وهي تفترض ان تعدّل الحكومة من خياراتها وان تدرك ان الحروب لا تكتسب إذا فقد التونسيون ثقتهم فيها او فاعلية خطتها لمجابهة الجائحة. فهذا يعقد الامور ويقلص من نسبة الانخراط الطوعي في مجهودات الاحتواء والمواجهة.
اليوم وفي ظل الاوضاع التي تمرّ بها البلاد والأزمات المتعددة التي تواجهها نحن في امس الحاجة لتعديل سياستنا العمومية في مجابهة الوباء للوصول الى مقاربة تعيد الثقة في الدولة وفي سياساتها بما يسمح بان ينخرط فيها التونسيون ويلتزمون بالإجراءات الوقائية والتباعد الاجتماعي.

المشاركة في هذا المقال