Print this page

حشد الأنصار في الشارع..واستمرار الأزمة في التصاعد: أعيدوا سيوفكم إلى أغمادها

قالت العرب قديما «ان العاقل يتعظ بغيره والجاهل يتعظ من نفسه». لسنا ندري اليوم أيهما نكون. خاصة وأننا نمشي الهوينى الى «نقطة اللاعودة»

في ظل الاحتقان المتصاعد على كل الاصعدة. تمسك رئيس الحكومة ومناورته الأخيرة والدعوات الصادرة عن الاحزاب لأنصارها للنزول الى الشارع. لتلتقي كل المؤشرات وتحذر من المضى الى حرب قد لا ينجينا منها الا ان يعيد الجميع سيوفهم الى الاغماد.
هذا ما قد ينجينا من المجهول الذي ندفع اليه دفعا من قبل الفاعلين الاساسيين في الازمة الراهنة التي انطلقت من تصادم بين رأسي السلطة التنفيذية- رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وتغذت لتصبح تناحرا تأججت نيرانه خلال الساعات الفارطة باعلان رئيس الحكومة انه يرفض الاستقالة ووصفه لنفسه بأنه جندي لا يفر من المعركة. وذلك ساعات قليلة عن إعلان النهضة انها تبحث مع حلفائها مسألة دعوة انصارهم للنزول الى الشارع لدعم المشيشي في صراعه مع الرئاسة.

هذا بمفرده كاف لجعل أدخنة الحرب تتصاعد التي لمّح إليها رئيس الحكومة بوصفه لنفسه بأنه جندي لا يفر. وهو الوصف الذي اطلقه عليه رئيس كتلة قلب تونس قبل ساعات من اعتماده من قبل المشيشي وهو احد أحزاب الاغلبية البرلمانية التي تهدد بالنزول الى الشارع بأنصارها لدعم الحكومة والتحوير الوزاري الذي وصفته النهضة في بيان مكتبها التنفيذي بالدستوري. تصعيد اضيف إليه قرار رئيسة الدستوري الحر عبير موسي بدعوة أنصارها للنزول الى الشارع ضد النهضة وحكومتها. وبذلك تنقل الصراع وفق تصنيفها من البرلمان الى الشوارع.
شارع تتهافت الاحزاب عليه غير مدركة انها تستدعي ماردا لن تستطيع التحكم فيه حتى وان اعتقدت انها قادرة. فالأحزاب وعوضا عن استيعاب المتغيرات وما تعيشه البلاد من ازمات اجتماعية واقتصادية وصحية. قررت ان تتناحر في ما بينها بالاعتماد على الانصار. لنعيد تشكيل مشهد 2013 وما سبقه من احداث لا عاقل يقبل بان تعاد. عنف لفظى تطور ليصبح بلطجة من قبل روابط حماية الثورة ولاحقا المجموعات السلفية التكفيرية وانتهى بارهاب واغتيالات.
مشهد 2013 والسنتين السابقتين له كان مشابها لما نحن فيه. لا على مستوى الازمة السياسية.لكن في ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي والتوترات التي تضاعفت هذه المرة نتيجة جائحة الكوفيد-19 وتفاقم الازمة الاقتصادية خلال السنوات الفارطة. شارع محتقن تغامر الاحزاب بان تلقى فيه «فتيل حرب» ستضرم كالنار في الهشيم لتوفر اسبابها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهو ما تتجاهله الاحزاب وتتغافل عنه.

تغافل تتعمده الاحزاب لاعتقادها انها قادرة على ان تغير الموازين بالشارع، في اطار لعبة سياسية وتغض بصرها على ان الشارع ليس مخصصا لفض صراعات سياسية وان اقحامه في هذه الصراعات أيا كانت التسمية التي يقع اعتمادها هو الدعوة الى العنف الذي يقود الى حرب لا تذر او تبقى على ما بقى من دولة تهالكت وسينهار ما تبقى منها على وقع «الجيوش» التي تتسابق الاحزاب لحشدها.
ان العاقل هو الذي يدرك طبيعة الخطر الذي نواجهه وانه غير مقبول أيا كانت التبريرات التي ترفع من هنا وهناك. خاصة واننا في 2013 نجونا من ان ينزلق الشارع الى الاقتتال، في ظل الاستقطاب الثنائي الذي قسم التونسيين الى فرق وشيع اعيد اليوم النفخ في رمادها باسم حماية الديمقراطية والحقيقة انه وقع الاستنجاد بها لاستعراض القوة والدفع بالازمة الى اقصاها.
أزمة سياسية يمكن ان تحل بالتعقل والرصانة والإقرار بان الصراع اليوم بين رأسي السلطة التنفيذية يحول دون ان يستمر جهاز الدولة في العمل وان الأسلم -وان كان خيارا مكلفا بدوره وفيه مغامرة- هو ان نتجه الى الحوار الذي ينطلق من الاقرار بان عهد المشيشي وحكومته انتهى وان السنوات الثلاث القادمة يجب ان تحدد ملامح ادارتها بحوار يحدد فيه دور الجميع، ويرسم خطة انقاذ للبلاد والانطلاق في الاصلاح على كل المستويات الاقتصادية والمالية والسياسية.
دون هذا فان السيوف التي اشهرت خلال الساعات الفارطة ستظل مسلطة على رقاب الجميع تهددنا بالذهاب الى ما لا طاقة للبلاد به وهي قتال الكل ضد الكل في حرب لن يغادرها احد منتصرا، خاصة الاحزاب التي تتهافت اليها.

المشاركة في هذا المقال