Print this page

حول مشروع تنقيح المرسوم 116 الترويكا الجديدة تريد وضع اليد على الإعلام السمعي البصري

تتحرك الأغلبية البرلمانية النسبية (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة ) من أجل المصادقة على المبادرة التشريعية التي

تقدم بها ائتلاف الكرامة منذ 4 ماي الفارط قصد تنقيح المرسوم 116 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الإعلام السمعي البصري وبالهيئة المشرفة عليه (الهايكا) والغاية الأساسية من هذه المبادرة التشريعية ذات الفصول الثلاثة فقط تكمن في نقطتين أساسيتين:
- التخلص من الهيئة الحالية بانتخاب هيئة جديدة من قبل البرلمان وفق الأغلبية المطلقة (109 نائبا ).
- إلغاء نظام الإجازة أي الالتزام بكراس الشروط الموضوع من قبل الهايكا والتقيد بموافقتها عليه وكل ذلك تحت شعار «حرية الاعلام السمعي البصري» وكذلك «التداول السلمي والديمقراطي على السلطة والمسؤوليات في الهيئات المنتخبة».
إذن النية الكامنة وراء هذه «المبادرة التشريعية» هي تعويض الهيئة الحالية للهايكا ورفع الخناق عن القنوات الخارجة عن القانون والتي تجد كلّها دعما من هذه الترويكا الجديدة مع رفع كل الضوابط عن تنظيم الإعلام السمعي البصري تحت يافطة «الحرية» وذلك بأغلبية بسيطة (109 نائبا) بينما الأغلبية المطلوبة في كل الهيئات الدستورية (والهايكا ستكون من بينها بعد تعديل اسمها) هي الأغلبية المعززة بنص الدستور والتي قدرتها كل القوانين الحالية بأغلبية الثلثين كما هو الحال في هيئة الانتخابات أي ما لا يقل عن 145 نائبا.
وما يزيد في تأكيد أن النية الوحيدة لهذه «المبادرة التشريعية» إنما هو رفع التضييقات عن «الأصدقاء» ثم وضع اليد على الهايكا ومن ورائها الإعلام السمعي البصري رغم وجود مقترح مشروع قانون تقدمت به حكومة الياس الفخفاخ في 9 جويلية 2020 يتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وبتنظيم هيئة الاتصال السمعي البصري وضبط اختصاصاتها،وهذا المشروع ذو المائة فصل كان محل دراسة منذ حكومة الشاهد والتي أعدت مشروع قانون في الغرض زمن المهدي بن غربية الذي كان وزيرا مسؤولا عن العلاقة مع الهيئات الدستورية وقد حصلت حوله نقاشات طويلة ومعمقة وهو وإن كان لا يستجيب لكل تطلعات أهل القطاع والقوى الديمقراطية في ضمان إعلام سمعي بصري تعددي ومستقل عن لوبيات المال والسياسة إلا انه يمثل أرضية جدية للنقاش وللإثراء من اجل تعويض المرسوم 116 وكذلك الهايكا الحالية ، ورغم أن الدستور واضح في فرض أولوية النظر للمشاريع الحكومية إلا أن الترويكا المهيمنة اليوم داخل مجلس نواب الشعب تريد ابتكار هيئة وقتية ثانية قد تُؤبّد وذلك قصد سحب البساط من الهيئة الحالية للهايكا ومن المنظومة القانونية التي وضعها مرسوم 2011 وكذلك واد الهيئة الدستورية النهائية التي جاء بها مشروع القانون الحكومي...
هل يعني كل ما قلناه بان الهيئة الحالية للهايكا منزهة عن الخطإ ؟ بالطبع لا ،بل ويمكن أن نقول أن بعض أعضاء الهايكا لم يتوفقوا دوما في إعطاء صورة الحكَم فوق الصراعات والنزاعات والحسابات التي تقتضيها هيئة تعديلية لها صلاحيات ردعية قد تصل إلى حد الإذن بغلق تلفزة أو إذاعة ..
ولكن هذه الأخطاء الفردية والجماعية، وهي أخطاء لا تسلم منها أية جهة من الجهات، لا ينبغي أن تتحول إلى مبرر لهدم مؤسسات الدولة – والهايكا من بينها – أو إلى وضعها تحت سيطرة أغلبية نسبية متنفذة اليوم في البرلمان ، فلا نريد أن تتكرر مهزلة إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد من السلطة التنفيذية لأن هذه الهيئة تجرأت واتهمت رئيس الحكومة بتضارب المصالح ولا أن تتحول كذلك الأغلبية النسبية للبرلمان إلى معول هدم مؤسسة أخرى بحجة أن أعضاء الهايكا ليسوا منسجمين «سياسيا» مع رغبة الترويكا الجديدة اليوم في البرلمان ..
ثم إذا نسينا فلا ننسى أن السعي للمرور بقوة لفرض واقع جديد في الإعلام السمعي البصري تشوبه شائبة أخلاقية كبرى وهي تضارب المصالح الواضح الأخلاقي والسياسي لا القانوني بالمعنى الجاف الذي تجد نفسها فيه جل هذه الكتل وخاصة قلب تونس في علاقة بقناة نسمة وحركة النهضة مع القنوات التي تدين لها كليا أو جزئيا بالولاء فنواب هذين الحزبين - على الأقل – لا يجوز لهم أخلاقيا التصويت على مشروع قانون سيجني من ورائه حزباهما منافع مادية ومعنوية واضحة.
أمام مجلس النواب مشروع قانون حكومي لتنظيم القطاع والهيئة المشرفة عليه ، فالجدية تقتضي من المؤسسة التشريعية التسريع للمصادقة على هذا القانون وتركيز هيئة دستورية ثانية بعد هيئة الانتخابات بدل السعي المحموم لتحقيق منافع فئوية وحزبية بحجة امتلاك أغلبية نسبية في المجلس.
تُرى هل نصل يوما على التمثل الصادق لهذا الشعار الذي بقي، إلى اليوم ، حبرا على ورق «الوطن قبل الأحزاب» أم هل ستواصل أحزابنا النافذة اعتقاد أن مصلحة البلاد تتماهى مع مصلحتها هي وبالأحرى مع مصلحة قيادتها والدوائر الملتصقة بها ؟!

المشاركة في هذا المقال