Print this page

بمناسبة أداء اليمين للحكومة الجديدة: رئيس الجمهورية يعلن الحرب على النهضة وحلفائها

فاجأت الكلمة التي توجه بها رئيس الدولة مباشرة اثر أداء رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها القسم بموضوعها ونبرتها العديدين

إذ لم تكن كلمة مناسباتية كما جرت العادة يهنئ فيها رئيس الدولة الفريق الحكومي ويتمنى له النجاح بل اختار أن يشن هجوما عنيفا على خصومه وأن يعلن الحرب بوضوح على النهضة وحلفائها متهما إياهم بالكذب والافتراء وتزيف إرادة الناخبين والغدر والخيانة والارتماء في أحضان الاستعمار والصهيونية مع ما تيسر من مناورات ومؤامرات في الغرف المظلمة وفي جنح الليل .
ما فهمناه نهاية يوم أمس أن المسؤولين على المؤامرات الذين طالما تحدث عنهم رئيس الجمهورية المنتخب منذ أواخر 2019 إنما هم بالأساس النهضويون وحلفاؤهم السياسيون وداعموهم من وراء الستار وكذلك من وراء البحار.
والسؤال المطروح اليوم هل نحن فعلا أمام حرب معلنة ستكون لها تبعات سياسية وربما قضائية؟ أم فقط أمام التهديد بإعلان الحرب خاصة بعد التصريحات المستفزة لبعض قياديي النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة ؟
الواضح أن قيادات الصف الأول في حركة النهضة تريد تهدئة المناخ العام لاستيعاب فورة الغضب الرئاسي، فالحركة الإسلامية لا تريد حربا مفتوحة ضد الرئاسة خاصة وأنها لا تملك وسائلها ولا تقدر على مجابهتها وتخشى منها الكثير .. وهي متأكدة أنها لن تخرج منها منتصرة وان أضرارها ستكون كبيرة عليها في كل الحالات ..

ولكن هل سيكتفي قيس سعيد بالوعيد أم سينتقل إلى السرعة القصوى أمام أي استفزاز جديد كمحاولة سحب الثقة من أحد رجالاته في حكومة المشيشي ؟ لا أحد يملك الجواب اليوم بمن فيهم رئيس الجمهورية ذاته .
الواضح على كل حال أن حالة التجييش المتبادلة – وإن كانت بنسب مختلفة – بين القصر وبين النهضة وحلفائها تخلق مناخا متوترا للغاية وان اللهجة الحربية لرئيس الجمهورية قد ترضي أنصاره وتحفزهم ليوم «الحسم» ولكنها تخيف جل التونسيين فهي منذرة بمآلات غير متوقعة ولا تمهد بأي حال من الأحوال لهذه الهدنة التي يبحث عنها جلّ التونسيين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وتعسّر من شروط انطلاق عمل الحكومة الجديدة وتجعل من تجسير حدّ أدنى للثقة عملية مستحلية .
كل هذا ونحن لم نتمم بعد السنة الأولى من العهدتين الرئاسية والبرلمانية والحكومة الجديدة لم تستلم بعد مهامها..
الإشكال الأساسي في تونس اليوم أننا وضعنا مؤسسات حكم لا أحد يريد احترامها بالكامل ثم هي لا تنسجم مع طبيعة مختلف النخب السياسية.
عندما ينتخب رئيس الدولة انتخابا عاما مباشرا من الشعب ثم لا يسمح له بالقيادة الفعلية للبلاد وتمنح جل الصلاحيات التنفيذية لرئيس حكومة معين وفي كل الحالات ليس هو الزعيم المنتخب للأغلبية البرلمانية .. كل هذا يخلق وضعية غير طبيعية فلا رئيس الدولة يقنع بدور الحكم ولا البرلمان يقنع بتقاسم ذكي للشرعية الانتخابية ..

لقد عانت البلاد من هذه الوضعية زمن الراحل الباجي قائد السبسي عندما نشب الخلاف بينه وبين رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتمكن هذا الأخير بفضل تحالفه مع حركة النهضة واجتذابه لجزء هام من حزبه الأصلي أن تصبح لديه أغلبية برلمانية منافسة للأغلبية الرئاسية.. فعزل بذلك ساكن قرطاج ولكن الوضع اليوم أكثر خطورة وقابليته للانفجار -في كل وقت- قوية للغاية خاصة وأن ساكن قرطاج الجديد لا يريد أن يكون متفرجا سلبيا بل الفاعل الأساسي في الحياة السياسية.
البلاد تحتاج اليوم لكل مؤسساتها وعقلائها وحكمائها لإيقاف هذا الانجراف الخطير ولنزع فتيل كل الحروب الداخلية مهما كانت «سلمية» ،فالتنازع الداخلي ممهد لكل الفتن ومهدد لما بقي من عناصر عيشنا المشترك .

المشاركة في هذا المقال