Print this page

في خطر الفرز والتخوين

«الفرز» مفهوم مغر عند عديد التنظيمات السياسية لأنه مفهوم مريح يقسم الدنيا إلى معسكرين لا تواصل ولا تماس بينهما (وهو هو المعنى العميق للفرز)

معسكرا الثنائيات القاتلة: الوطنيون والخونة ، الثوريون وقوى الردة ..أي الخير والشر في بداية التحليل ونهايته .
وللفرز معنى رومانسي آخر وهو يشبه ما يحصل في الماء حينما يتم الفصل /الفرز بين الهيدروجين والأكسجين ،كلا على حدة، أي انه على كل مكونات الجسمين الاجتماعي والسياسي أن تحدد مواقعها وفق هذا الفرز الأساسي وأن «تنتقل» عند الضرورة من مكان يسيطر عليه «الأعداء» إلى معسكر الأطهار الخيّرين.
اليوم في تونس معسكران متناحران يريدان أن تحصل عملية فرز كلية وشاملة وفق هويتيهما الخصوصية : الوطنيون من جهة والخونة من أتباع وأنصار ومهادني الإسلام السياسي أما الفرز عند المعسكر الثاني فهو بين أنصار الثورة والديمقراطية والانتقال الديمقراطي والحزب الفاشي الاستبدادي التابع لمحور «الشر».
لابد من الإقرار بداية بأن هذه الإستراتيجية مربحة لأصحابها وتحرج البقية أيما إحراج لأنها تضطر الجميع الى تحديد الموقف والموقع من صراعات لم يختاروا الانخراط فيها ..
ولكن الإشكال هنا في الظاهر أننا نتجاوز بإطلاق المسائل التكتيكية والمعارك الظرفية إلى تناف متبادل جذري راديكالي لا وجود فيه لمنطقة رمادية مشتركة مهما تقلصت مساحتها..وهنا يصبح هدف كل طرف لا الانتصار السياسي فحسب بل القضاء المبرم على «العدو» وإخراجه من دائرة الوجود السياسي.
لسنا ندري في الحقيقة هل نحن أمام عداء فعلي مبني على مخيالين متناحرين أم عداء تكتيكي يتحول من يوم إلى أخر إلى عداء جذري بحكم حماسة المريدين من الضفتين وما يبدو انه انتصارات وتقدم في نوايا التصويت مقابل تراجع أو صعوبات كل الأحزاب والتيارات الأخرى غير المنخرطة في هذا الاستقطاب الثنائي والحاد والمتنافي ..
لو نظرنا إلى هذا الصراع من زاوية أنصار الفريقين لقلنا بأنه بصدد تحقيق أهدافه إذ هو الذي يسمح بنوع من «التصويت المفيد» لكلا القطبين المتنازعين ولكن لو نظرنا إلى هذا الصراع من زاوية اهتمامات التونسيين ومشاكل البلاد الحارقة لقلنا إننا بصدد إضاعة وقت ثمين على التونسيين وأننا نضعهم في صراع لا أفق سياسي له .
هنالك أفق وحيد للاقصاء السياسي المتبادل : الفوضى أو العصا الغليظة ، ونحن اقتربنا كثيرا من الاثنين في نفس الوقت .
الوله بالفرز لا يؤدي بنا إلا إلى فتنة داخلية ويطمع في بلادنا المحاور الخارجية ..
الحل هو في القبول بالأخر وبحقه في الوجود مادام محترما للقانون وألا نصنف الناس وفق هويات جامدة قاتلة ..وان يدار الصراع وفق المقولات السياسية لا الحربية ..ولكن بيننا وبين هذا الأفق ثورة فكرية وسياسية أخرى ..

المشاركة في هذا المقال