Print this page

في مقاومة انتشار فيروس الكورونا المستجد: في مسؤولية الدولة والهياكل والأفراد

يخطئ من يعتقد أن بلدا ما قد تسرب إليه فيروس الكورونا بشكل محدود إلى حدّ الآن - هو بلد قد نجا من هذا الوباء العالمي الجديد.

ما يقوله اليوم أهل الاختصاص في كل أنحاء المعمورة هو انه لا حلّ طبي كيميائي أو جراحي أو بيولوجي ضدّ هذا الفيروس وبالتالي التوقي الوحيد الممكن منه هو منع تفشي العدوى من شخص إلى آخر وانه كلما تأخرنا في اخذ القرارات الضرورية لضرب سلسلة العدوى هذه أو كلما استهنا بها كلما كثرت العدوى وخرجت من تحت السيطرة، أي عندما يصبح عدد المصابين ارفع بكثير من القدرة الاستيعابية للمنظومة الصحية.
صحيح أن عدد الإصابات مازال محدودا في بلادنا ولكن لو خرجت حالة واحدة من تحت السيطرة فستكون النتيجة كارثية لأن العدوى تتبع طريقة تصاعدية وفق قاعدة رياضية معروفة (la suite géométrique) فنحن نعلم أن المصاب بفيروس الكورونا يمكن أن يصيب شخصين أو ثلاثة، سيصيب كل واحد منهم بدوره بعد مدة تتراوح بين أربعة وسبعة أيام شخصين أو ثلاثة كذلك .ولو أخذنا الفرضية القصوى بأن شخصا سيصيب ثلاثة أشخاص بعد أربعة أيام فقط من إصابته هو بهذه العدوى سوف نجد أن شخصا واحدا قد يتسبب على امتداد شهرين من إصابة حوالي 14 مليون شخص أي أكثر من عدد سكان تونس كلها.. هكذا تنتقل العدوى لو كانت الحالة الأولى في الطبيعة ولو لم نأخذ أي صنف من الإجراءات الوقائية أو العلاجية ولو توفرت للفيروس كل ظروف الانتقال من شخص إلى آخر..

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د


ما نريد قوله من وراء هذه النمذجة المبسطة إلى الأقصى انه لا ينبغي ان نغتر بعدد الإصابات المحدود إلى اليوم لان جل المؤشرات تفيد بان نسق العدوى مدعو للارتفاع لو تأخرنا في أخذ القرارات الضرورية منذ اليوم، والقرارات الوحيدة ذات الفاعلية ضد انتشار هذا الوباء هي إيقاف سلسلة الانتقال من شخص إلى آخر واخذ ما يسمى اليوم بالمسافة الاجتماعية : لا مصافحة باليد ولا قبل ولا عناق حتى بين الأصدقاء وبين العائلة الكبيرة ومنع كل مظاهر التجمع وما ينجر عنها من اكتظاظ وبالتالي من غياب السلامة.
والسؤال اليوم هو هل تذهب في إجراءات الحيطة والتحوط إلى الأقصى، من صنف إجبار كل المواطنين على البقاء في منازلهم والإبقاء فقط على النشاطات الأمنية والصحية والغذائية الضرورية فقط أم تكون أكثر حزما في تطبيق الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة يوم الجمعة الماضي ؟
الجواب يملكه فقط العلماء المختصون وعلى الجميع ، بدءا بالسلطات العمومية ،الإصغاء جيدا لهم واتخاذ الإجراءات المتناغمة مع التوصيات العلمية .
وهنا تدخل مسؤولية كل الهياكل في تنزيل هذه القرارات والواضح أن هنالك خللا كبيرا في هذا المستوى .
لنأخذ مثالا واحد : لقد قرر رئيس الحكومة أن تجرى كل المباريات الرياضية دون حضور جمهور ولكن كان الأمر نظريا، كذلك في مقابلات الدور الثمن النهائي لكأس الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ولكن عندما نلاحظ أن المدارج ليست خالية تماما وان الحكام واللاعبين يتصافحون قبل المباراة وبعدها وان العناق هو القاعدة في كل هدف يسجل أو الاكتظاظ حول الحكم في كل قرار نعلم جيدا ان كل الهياكل قد أخلت بواجبها اخلالا كبيرا من وزارة الشباب والرياضة إلى الجامعة إلى الرابطة إلى إدارات كل الفرق المشاركة إلى لجنة التحكيم.. فما قام ولو هيكل واحد بواجب التحسيس والتوقي وإرسال الصورة المناسبة لوضع تونس والعالم اليوم.
ويمكن أن نقيس على هذا المثال في قطاعات أخرى كذلك..
لاشك أن هنالك كلفة اقتصادية كبيرة للغاية مع كل تعطيل إضافي للنشاط الاقتصادي ولكن ينبغي من اليوم أن نفكر بصفة جدية في الاعتماد الكبير على العمل عن بعد كلما كان ذلك ممكنا وأيضا الغلق النهائي لكل مواطن التجمع باستثناء الصيدليات ومتاجر بيع المواد الغذائية وموزعي البنزين، ولكن هذا يستوجب مرافقة حكومية لكل فاعل اقتصادي مهما صغر شأنه لأننا نريد اقتصادا قادرا على الإنتاج بعد تجاوز مرحلة الانتشار الوبائي للكورونا.
ويبقى القرار الأساسي عندنا نحن المواطنين جميعا فلو انضبطنا بصفة كلية لكل قرارات السلامة الصحية والحيطة المستوجبة لقضينا على هذه العدوى في غضون أسابيع قليلة ولكن الإحساس بجسامة هذه المسؤولية متفاوت للغاية والكثيرون يجدون صعوبات جمة لتغيير عاداتهم اليومية..
ينبغي أن يعلم الجميع أن كل احتفالية عائلية أو مأتم هي مناسبات خطيرة اليوم ولا بد من تأجيل الاحتفاليات وكذلك تأجيل زيارات أداء واجب العزاء، ولا يحتجّنّ أحد بالقضاء والقدر لأن الإيمان لا ينفي مطلقا العمل بالأسباب وإتباع توصيات العلماء وإجراءات السلطة التنفيذية بحذافيرها.
تونس كلها اليوم أمام امتحان فارق فإما النجاة الصحية والاقتصادية، وهذا مقدور عليه، أو الانهيار فكلنا مسؤولون عن مستقبلنا الجماعي.

المشاركة في هذا المقال