Print this page

إلياس فخفاخ ومشاكل الحزام السياسي

الآن وقد أصبح الياس فخفاخ رئيس حكومة مكلفا تبدأ رحلته الأولى حول تحديد حزامه السياسي

أي الأحزاب والكتل البرلمانية التي ستمنحه الثقة بعد أسابيع قليلة في مجلس نواب الشعب.

خلال هذا الشهر الدستوري الممنوح له والذي بدا احتسابه من يوم أمس على المكلف الجديد أن يقوم بثلاثة أشياء رئيسية : تحديد حزامه السياسي وتشكيل فريقه الوزاري ورسم ملامح مشروعه الحكومي، ولا يخفى ما في هذه الأبعاد الثلاثة من تلازم ومن تعقيد أيضا.

يخطئ من يعتقد بأن حكومة الياس فخفاخ ستنال الثقة في كل الظروف بالاعتماد على الخوف المفترض عند جلّ الأحزاب والكتل من انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.. إذ ودون التقليل من أهمية هذا العنصر إلا أن الكتل البرلمانية لن تمنح ثقتها فقط حتى تتجنب هذا «الغول» بل ستسعى كل كتلة إلى مقايضة مشروعة لمساندتها والإشكال الأول أمام رئيس الحكومة المكلف يكمن هنا :هل سيتمكن من إقناع ما يكفي من الأحزاب والكتل بالتصويت للحكومة التي سيشكلها دون أن يسقط في حسابات الترضيات والمحاصصات؟

لنراهن منذ الآن بأن جل الأحزاب والكتل التي تنوي التصويت للحكومة القادمة تريد أن تشارك فيها مباشرة أي أن تحصل على جملة من الحقائب الوزارية لشخصيات تقترحها هي بل لقيادات الصف الأول فيها معتبرة أن هذه المشاركة ضرورية حتى يكون حضورها فعليا في الحكومة وحتى تتحمل بالتالي مسؤوليتها كاملة في نجاحها أو حتى في فشلها، ولكن نتيجة هذا ألا يكون الياس فخفاخ حرا في اختيار فريقه الحكومي وخاصة ألا يتمكن من اختيار أفضل الكفاءات في مختلف المناصب الوزارية بل أن يحصر مجال اختياره فقط في الكفاءات الحزبية أو تلك التي سترشحها الأحزاب له .

والأكيد أننا سنستمع خلال الأيام القليلة القادمة أن وحدها الحكومة السياسية (أي المتشكلة أساسا من وزراء متحزبين ) قادرة على مواجهة مشاكل البلاد.

وكما هو متوقع ستشغل هذه المسالة الحيز الأكبر من الوقت ومن الجهد بالنسبة لرئيس الحكومة المكلف.

لا نريد أن نقول من وراء هذا أن الحل الأمثل يكمن في الاستغناء عن كل الكفاءات الحزبية فهذا عبث ولكن لا نعتقد أن حكومة تتشكل اليوم أساسا من قيادات حزبية قادرة على نيل ثقة التونسيين وهذا هو الشرط الأول للنجاح حتى قبل نيل ثقة البرلمان..

التونسيون عامة والفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون خاصة وشركاؤنا الدوليون كذلك ينتظرون فريقا من ذوي الكفاءات العالية ومن لديهم الخبرة والمعرفة الكافيتين لتصور المشاكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية الراهنة ولطرق معالجتها، كفاءة تبعث على الثقة في أول اجتماع سيضم هذا الوزير (ة) أو ذاك مع شركاء، الداخل والخارج.

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

فذلك فقط هو الذي سيبني الثقة بين الحكومة القادمة وبين كل الأطراف المحلية والدولية التي ستتعامل معها يوميا.

ولكن المشكلة لا تقف هنا فقط، بل تتجاوزها إلى وضوح الرؤية وانسجام كامل الفريق الحكومي حول أهداف وخطط عاجلة وواضحة وهو ما لا نرى توفره اليوم في فريق يغلب عليه المتحزبون وتتنوع ، تبعا لذلك، الآراء والمقترحات بل وحتى التصورات فالبلاد تحتاج إلى حلول براغماتية سريعة لايقاف نزيف تدهور الاقتصاد وآلتنا الإنتاجية والحلول الضرورية لن تكون لا يمينية ليبرالية أو يسارية اجتماعية بل هي مزيج خاص ينبغي بداية أن يكون واضحا ومعلنا عند رئيس الحكومة وأن تكون هذه الرؤية متقاسمة بين كل أعضاء فريقه الوزاري دون نقاشات إيديولوجية عقيمة غدا.

ومع ذلك يبقى من الضروري تشريك الحد الأدنى من الكفاءات الحزبية لا فقط لتوريط أحزابها ولكن كذلك لتكون أحزاب الحزام السياسي محيطة بكل دقائق وصعوبات هذه المرحلة الانتقالية الثانية التي بدأت في بلادنا منذ الانتخابات الأخيرة، أي مرحلة تتسم بتفاقم الصعوبات المالية للدولة وتراجع قدرتها التوزيعية من جهة وتذرر المشهد السياسي وتصاعد الشعبويات من جهة أخرى.

التشريك الجزئي لأحزاب الحزام السياسي (شخصية واحدة عن كل حزب أو كتلة مثلا) له دور أساسي في المقاومة العملية لهذه الشعبويات المتنامية والتي مازالت تؤمن بالحلول السحرية في معالجة اكراهات تسيير الدولة.

ويبقى السؤال الأساسي : ماهي أولوية رئيس الحكومة المكلف ؟ نيل ثقة البرلمان مهما كنت التكلفة أو نيل ثقة شركاء الداخل والخارج ؟

ذلك هو السؤال..

المشاركة في هذا المقال