Print this page

مجلس نواب الشعب «حَـــلَبَـة » أم مدرسة للممارسة الديمقراطية ؟

يُصدمُ الرأي العام المتابع للشــــؤون البرلمانية بما يصدر عن بعض نواب الشعب من عنف لفظي و من معاينة أكثر

من حالة خروج عن اللّياقة و انخراط في البذاءة أحيانا،و من تجاوز لحدود التعبير عن الرأي ، و الانسياق وراء لهجة التهديد و الوعيد و هتك ضوابط احترام حرمة المجلس و سير و تسيير أعماله.
لم يعد الأمر متعلّقا بالإختلاف في الرأي و في صيغة النصوص التشريعية أو في وضعها ، الّتي يحسم التصويت على تعديلها أو يصادق على تمريرها ، بل أصبح الأمر متعلّقا بطريقة التعامل مع الرأي المخالف ، و بشكل المعارضة ، و بكيفية تمثيل المؤسّسة و طرق إدارتها .
لا أحد يمكنه التشكيك في إنتخاب السيد راشد الغنوشي رئيسا لمجلس نواب الشعب ، و على ذلك الاساس يكون التعامل معه ،في إطار الضوابط الدستورية و النظام الداخلي .
فرئيس مجلس نواب الشعب هو الممثل القانوني للمجلس و رئيس إدارته و آمر صرف ميزانيته و هو الّذي يسهر على تطبيق أحكام النظام الدّاخلي و تنفيذ مقرّرات الجلسة العامة والمكتب .
و لكن هذا لا يطلق نفوذ الرئيس خاصّة إذا جمع لصفته كرئيس مجلس النواب و صفته كرئيس لحزب حركة النهضة ، فيتحوّل بصفته تلك وبصفته رئيسا لحزبه ، للتشاور مع رئيس دولة و حزب أجنبي، دون التقـيّد بالنظام الدّاخلي و بالضوابط الدبلوماسية و الأعراف الجارية.
و بما أن رئيس مجلس نواب الشعب يلتزم بالحرص على تجنّب الشبهات، فإن ليس له أن يعيّن رئيسا لديوانه من أقاربه و من أعضاء حزبه ويمنحه رتبة وزير ، و سبق حصول ذلك لا يبرّر هذا الإختيار.
و لا ننسى أن القانون الداخلي وضع مكتبا للمجلس يتركب من الرئيس و نائبيه و عشرة أعضاء و ضبط هذا النظام صلاحيات المكتب من بينها الإشراف على حسن سير مختلف أعمال المجلس و دواليبه والإشراف على شؤون المجلس الإدارية .
لقد كان من الأسلم التصرف في نطاق الإطار القانوني الّذي وضعه النظام الدّاخلي و عدم تجاهل أن رئيس المجلس ليس رئيسا لكتلته وإنّما هو رئيس كل النواب و يتحدث باسمهم و بالتالّي يكون مقيّدا بمبدإ التشاور مع أعضاء المكتب و النأي بنفسه عن كل ما يثير حفيظة أي كتلة من الكتل النيابية .
لا أحد يشك في أن العمل النيابي ، يحتاج إلى الدربة و التكوين و الرسكلة لممثلي الشعب لتعريفهم بالجوانب والضوابط القانونية الّتي تحكم مهامهم ، حتى لا يخطئوا، و حتى لا يبقى بعضهم متفرجين دون أن يكونوا فاعلين ،و حتى لا تكون مواقفهم سلبية عند نشوب خلافات بمناسبة النقاش في مسألة عرضية أو اجرائية ، فيكتفون في النهاية بالصمت أو بالاصطفاف وراء هذا الطرف أو ذاك دون دراية بحقيقة الجدل و مخرجاته .
من هنا بدت المجادلة عند حصول خلاف بين كتلة النهضة و مؤيديها من جهة ،و كتلة الحزب الدستوري الحر من جهة أخرى ،كمعركة بين توجهين ، وغاب النقاش حول لب المواضيع المطروحة و إتخاذ قرار بشأنها ، و تحوّل الجدل إلى كيفية تقييم رد الفعل الصادرة عن كتلة الحزب المذكور وأسلوب تخاطب رئيسة الكتلة ،دون غيرها .
و الملاحظ أن كل الاشكاليات الّتي طرحت سُجّلت و تم تجاوزها دون أي تغيير ، فتشبث السيد راشد الغنوشي برئاسة حزبه ، و لم يترك قيادة الحوار بإسم حزبه ،و لم يقدّم تقريرا عن نتائج محادثاته مع الرئيس التركي ، ولم يتراجع في تسمية رئيس ديوانه و لم يقدّم ردا مقنعا . لذلك أدى التفاعل بين المخاطبة المستفزّة و تجاهل الإحتجاج والمساءلة ، إلى أزمة في التواصل بين مختلف الكتل و خلق جو مشحون في «حلبة» مجلس نواب الشعب .
إن الخشية أن يتحوّل هذا الصراع إلى خارج المجلس،و يسوء فهم المواقف الحادة من هذا الطرف أو ذاك ، فتؤخذ على أنها تحريضية وعدائية ، يمكن إستغلالها و تحويلها إلى تجاوزات لا أحد يقدّر تبعاتها.
إن خطوط التماس بين المقبول و غير المقبول ،و بين الحق في إبداء الرأي و التعبير ، و التعسف في إستعمال هذا الحق ، تستدعي المعالجة السريعة للإشكاليات ، ليكون مجلس نواب الشعب مدرسة للممارسة الديمقراطية و للأخلاق الرفيعة و فضاء للتدرب على ضبط النفس والأخذ بأبجديات السياسة و التعامل الحضاري و المؤسساتي في كنف إحترام القانون .

المشاركة في هذا المقال