Print this page

بعد مطالبة الحبيب الجملي بالتمديد بشهر لتشكيل حكومته: في مفارقات منظومة الحكم الحالية

ماهي دلالات عدم قدرة رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي بتشكيل حكومته في الأجل الدستوري الأول المحدد بشهر قابل للتمديد مرة واحدة؟

فهل نحن فقط أمام حاجة الى أيام إضافية من اجل احكام تشكيل هذه الحكومة أم أمام إخفاق هام قد لا تكفي الأسابيع القادمة لتجاوزه ؟

الواضح أن الحبيب الجملي ذي الخبرة السياسية المحدودة لم يكن يقدّر الصعوبات حق قدرها والتي ستعترضه في طريقه لتشكيل حكومة تحظى بحزام سياسي أدنى يضمن لها بداية نيل ثقة البرلمان ثم ممارسة الحكم الفعلية في ما بعد ..

يكمن العيب الأساسي في جهة التكليف، أي في قيادة حركة النهضة التي رشحت الحبيب الجملي لهذه المهمة فلا هي وفرت له الحزام السياسي الذي سيتحرك في إطاره ولا هي عبّرت بوضوح عما تريد انجازه في البلاد.

إن قصور التكليف السياسي عن هذين الأمرين الأساسيين جعل من مهمة الحبيب الجملي اقرب ما تكون بالمهمة المستحلية إذ من الواضح أن الحركة الإسلامية لن تترك لصاحب دار الضيافة الحالي حرية اختيار الحزام السياسي لحكومته وان قيادتها ستؤثر حتما على سير المشاورات مع الأحزاب بل هي التي ستختار حلفاءها لتقاسم حكم هذه الخماسية ولن تترك لرئيس الحكومة المكلف سوى التحكم في مشهدية الإخراج ليس إلا ..

والإشكال أن قيادة حركة النهضة لم تستقر بعد على خطة واضحة للتحالفات فجزء منها يريد الإيفاء بالتعهدات الانتخابية للحركة الإسلامية والحكم مع أحزاب «الخط الثوري» وهؤلاء هم الذين صوتوا بكثافة داخل مجلس شورى النهضة من اجل اختيار الحبيب الجملي لقيادة المرحلة القادمة ..ولكن هل تأكدوا فعلا من رغبة الرجل أولا وقدرته ثانيا على قيادة «حكومة ثورية» ؟ ثم هل وضحوا معالم هذه الحكومة وبرنامجها العملي وماهو الثوري فيه بالقياس على ما درجت حركة النهضة على ممارسته أثناء حكمها المباشر أو بالشراكة منذ سنة 2011..

أما «الخط» الثاني في حركة النهضة والذي يمثله رئيسها بوضوح والسائرين على نهجه فهو يتمحور فقط حول النجاح في تشكيل حكومة بقيادتها المباشرة أو من خلف حجاب ونجاح هذه الحكومة في تحقيق بعض المكاسب علّها تسهم في إيقاف نزيف الأصوات الذي بات يلاحق حركة النهضة

منذ 2014.. وفي هذا السياق لا يهم كثيرا مع من يكون الحكم بقدر ما يهم تحقيق بعض المكاسب الرمزية للحركة الإسلامية (كرئاسة البرلمان ) في انتظار إثبات النهضة أنها حركة قادرة فعلا على حكم البلاد وتسحين مؤشراتها الاقتصادية والاجتماعية ..

ولكن الإشكال الأساسي عند كل الحساسيات النهضوية في القيادة أنها لم تبلور بصفة جماعية تصورا واضحا ودقيقا لبرنامج حكمها المنتظر ولا حسمت خياراتها في ملفات الإصلاح الكبرى المطروحة ضرورة فوق طاولة رئيس الحكومة القادم بما جعلها تقود المفاوضات على امتداد شهر كامل (من الإعلان الأولي عن نتائج الانتخابات التشريعية في 9 أكتوبر الماضي إلى 8 نوفمبر والإعلان عن النتائج النهائية) بمنطق الأحقية الدستورية بترؤس الحكومة وتشكيلها دون تقديم تصور دقيق لا لحزامها السياسي ولا لبرنامج حكمها العملي ثم اهتمت فقط بإيصال رئيسها إلى سدة الحكم في البرلمان متحالفة مع خصومها والذين وصمتهم بأقذع النعوت خلال الحملة الانتخابية وبعدها ..

كل هذا لا يعفي بالطبع رئيس الحكومة المكلف من مسؤولية فشل هذا الشهر الأول وفي هذين المجالين كذلك إذ لا يعقل أن يتصدى شخص لحكم البلاد دون أن يوضح لعامة الناس – لا فقط لمن يلتقيهم في قصر الضيافة – ما هو تصوره العملي لحكم تونس ومع من ينوي تنزيله في الواقع ..

لا نعتقد أن الأسابيع القادمة ولا حتى الأشهر القادمة كفيلة بنزع الغموض عن هذين البعدين الأساسيين في الحكم ورهانها أن حركة النهضة ،أي راشد الغنوشي في النهاية ،والحبيب الجملي سيعملان فقط على تامين أغلبية مريحة إلى حد ما (أي حوالي 130 نائبا) من اجل نيل ثقة البرلمان معولين في ذلك على تفهم بعض الكتل الوازنة سواء من حلفائهم التكتيكيين في البرلمان وعلى رأسهم قلب تونس أو من بعض الكتل المحسوبة على الخط الثوري وذلك تجنبا للفشل الجماعي وإعطاء المبادرة السياسية لرئيس الجمهورية والذي لا يعلم احد كيف سيختار صاحب قرطاج (أثناء أوقات العمل فقط) هذه «الشخصية الأقدر» على حكم البلاد علاوة على تنامي إمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة وهو أمر تخشى منه جل الكتل البرلمانية اليوم ..

ويبقى السؤال مطروحا : لو نجح الجملي بعد أسبوعين أو ثلاثة في تشكيل حكومة تنال ثقة البرلمان فهل سيكفيه هذا لحسن قيادة البلاد أم سيجد نفسه مقيدا بكل التنازلات التي أقدم عليها أثناء هذه المشاورات بمعية راشد الغنوشي وإخوانه ؟

هذا هو السؤال ..

المشاركة في هذا المقال