Print this page

حيـــــــــرة الناخبيــن

ما أكثر أولئك الذين يستوقفونك طلبا للمساعدة: من ننتخب؟ وكيف يمكن لنا التمييز بين المترشّحين؟وما هو المعيار لانتقاء أفضلهم؟

...وما أكثر المتردّدين والعاجزين عن تحديد مرشّحهم. وهو وضع لم نعشه في انتخابات 2014 إذ كان الاختيار منذ البدء، واضحا بسبب الاستقطاب الحدّي: «اليمين في مقابل اليسار».

يحقّ للناخبين اليوم، إبداء علامات الحيرة والقلق بعد ما حفّت حول المسار الانتخابي علامات تثبت الانزياح عن المتوقّع والمنشود. فهذه انتخابات تُدار بقوّة المال والجاه والسلطة وبأساليب المكر والدهاء... ويُهيمن عليها العنف بأشكاله المتعددة، وهي لا تحتكم إلى منظومة قيمية ولا إلى مبادئ تكرّس الممارسات الفضلى في العمل السياسيّ بل إنّ الخطاب المتداول صار حول الفساد و«اللوبيات» ،«المافيا»، والسقوط، والقرف، والمؤامرات... وغابت، في الغالب، البرامج والمقترحات الجديدة والمصلحات المنحوتة...

وحيرة الناخبين مبرّرة إذ صار الإعلام جزءا من المشكلة وبات عدد كبير من المكلّفين بمواكبة الانتخابات ينخرطون في «التلاعب بالعقول» بل إنّ ما يُعرض على الفضائية «المارقة» من خطابات أمر مخجل، وما يصدر عن بعض «الإعلاميات والإعلاميين» هو وصمة عار. ولئن تندّر الفايسبوكيون بطرق بناء زعامة «مضروبة» وبالربط بين «قلب الأسد» وفرحات حشاد وعمر بن الخطاب، ومانديلا.... فإنّ ما يحدث يدعو إلى الحزن إذ بدل أن توفّر البرامج الإعلامية ما به يُستدلّ على «معالم الطريق» صارت متسببة في بثّ البلبلة ومنحازة لهذا المرشّح أو ذاك مضلّلة للمشاهدين ومربكة للمشهد.

إنّ حيرة الناخبين مفهومة إذ أنّنا انتقلنا من مرحلة تتجلّى فيها إرادة السياسي، ورغبته في الإمساك بمقاليد الحكم أو الاستحواذ على السلطة إلى مرحلة «صناعة ساكن قرطاج»، والصناعة تقتضي وجود عقل مدبّر ورأس مال ومهندسين ومنفذين وعمّال... ومن هنا لا يمكن أن يكون خطاب المترشّح الذي خضع لآليات التصنيع تلقائيّا بل هو محصّلة دربة وتوجيه ونصائح وحفظ..، وهذا هو الفرق بين المترشحين الذين تقف وراءهم «الماكينة» والمترشحين الذين دخلوا المغامرة بلا سند يعوزهم المال والجاه والعزوة والخبرة. وبناء على ذلك تعيّن على الناخبين التمييز بين الإجابات التلقائية المعبّرة عن موقف شخصيّ والإجابات التي يحفظها المترشّح عن ظهر قلب، وجاءت على نحو ضبطه الجهاز المكلّف بصناعة «رجل الدولة» وتعيّن كذلك على الناخبين توجيه الانتقاد إلى «السياسي» وكذلك إلى المكلّف بالحملة الانتخابية لهذا المترشّح أو ذاك وتحميله المسؤولية.

ولمّا كانت الأسئلة الموجّهة للمترشحين مُعدّة سلفا وفق توجهات القناة والمصالح والقناعات... فإنّ المترشّح قد يُباغت بأسئلة لم يتوقّعها وتتجاوز «صلاحيات رئيس الدولة» وهنا قد تبرز قدرته على التحليل والفهم من عدمها، وقد يلوح الارتباك أو المراوغة أو السقوط في الفخّ... ومن هنا كان على الناخبين رصد هذه اللحظات التي تتعرّى فيها الشخصيات فتتكلّم دون رقيب أو وصيّ ، فهي المحرار لمعرفة ما يسعى المشرفون على الحملات إلى حجبه عن الجماهير.

ولابدّ في تقديرنا من تنشيط الذاكرة ورجوع الناخبين إلى التصريحات السابقة للمترشحين. فكثيرا ما تتضارب المواقف نتيجة التموقع الجديد، وشتّان بين ما يصرّح به الناشط في المجال السياسي، وما يعلن عنه حين يصبح راغبا في السلطة ويتوجّب عليه أن يمتثل لقاعدة «ما يطلبه المستمعون». ففي ظلّ غياب البرامج تصبح المواقف من المساواة في الإرث، وعودة المورّطين في الإرهاب، وغيرها من المسائل هي المحدّد للتموقع. ولكن حذار فكم من سياسيّ وعد ولم يلتزم بما وعد.

لا توجد وصفة جاهزة، ولا وصفة سحرية ولا منوال، ولا أنموذج يمكن اعتماده للتمييز بين هذا المترشّح أو ذاك غاية ما في الأمر أنّ السياق الحالي يتطلّب من الناخبين التعويل على أنفسهم والانتقال من وضع المواطن السلبيّ إلى وضع المواطن/ة الذي يبرهن عن رغبة في تحمّل المسؤوليّة ... المواطن الذي يرفض أن يسلّم عقله لرجل الدين /السياسيّ/الإعلامي وأن ينقاد وراء عواطفه ومشاعره فتلك عبودية جديدة لا محلّ لها في تونس التي حاربت ولازالت تحارب مأسسة الجهل،والدجل، والفساد.

المشاركة في هذا المقال