Print this page

بعد تفويض الصلاحيات ماذا بعد حصول المحظور ؟

لا طائل من الانخراط في المجادلة القانونية بخصوص تفويض رئيس الحكومة لجميع صلاحياته إلى أحد وزراء حكومته بصفة وقتية

إلى حين أنتهاء الحملة الانتخابية، حسب ما أعلن عنه أوّل أمس الخميس 22 أوت 2019 ، في مداخلة متلفزة ، وذلك لأربعة أسباب على الأقل .
أولها ،ما هو عام ،تماشيا مع الطريقة الّتي تمت بها معالجة كل الإشكاليات القانونية الّتي طُرحت في أكثر من مناسبة، و الّتي تم تجاوزها «بتقنية تونسية مبتكرة» تتميّز بالارتجال وتطبيق القانون حسب إملاءات الظرف أو الأهواء أحيانا بإعمال طرق «قيصرية « في توليد الاجتهادات لتجنب المآزق و للمرور إلى الاستحقاقات الانتخابية طبق ما هو مُبرمج ، مع تعديلات عاجلة .

و ثانيها ، أن الهدف الّذي أعلنه رئيس الحكومة بخصوص تفويض صلاحياته، والمتمثل في ضمان منافسة شفافة و نزيهة ووضع كل المترشحين على قدم المساواة ، لم يعد قابلا للتحقيق، لأن المحظور حصل، باعتبار أن ترتيبات السنة الأخيرة كانت في اتجاه خدمة مصلحة المترشح، قد تمّ إنجازها ، و كان لهذا الأخير توظيف كل مواقفه و أعماله والمراكز الّتي يتدخل فيها ، للاستفادة من موقعه و نفوذه ،في اتجاه السعي إلى تموين رصيده الإنتخابي. و لكن يبقى الصندوق في النهاية هو الّذي سيحكم على نجاحه أو فشله في توفير هذا الرصيد.

ثالث الأسباب في انعدام الفائدة من المجادلة القانونية ، لأن الآجال لم تعد تكفي لتحقيق ما يُرجى من التحاجج القانوني ، خاصّة و أن النصوص القانونية لا ترتب آثارا واضحة على ما ذهب إليه رئيس الحكومة ، و لوجود قراءات و تأويلات متبينة بخصوصه .

رابع أسباب غياب الجدوى من التحاجج القانوني ، أن التفويض الّذي منحه السيد يوسف الشاهد للسيد كمال مرجان، لا يستبعدُ فيه الإخلال بالنزاهة و بتكافؤ الفرص، لتوفّر امكانية تسخير وسائل الدولة لخدمة حملة هذا الأخير، أو لتمييز الحزب الّذي ينتميان إليه على غيره ، بحكم أن السيد مرجان يتولّى رئاسة المجلس الوطني لحزب «تحيا تونس». والدليل على وجود امكانية الإخلال بتكافؤ الفرص، أن رئيس الحكومة نفسه إستغل فرصة الإعلان عن منحه التفويض لمهامه لأحد وزرائه، ليلقي كلمة ذات مضمون دعاية إنتخابية صرفة، وهو أمر لا يختلف فيه إثنان.

لكل الأسباب المذكورة ، يمكن القول أن هذا التفويض جاء بعد فوات الأوان ، و يعطي الانطباع بأن ترشح رئيس الحكومة تمّ ضمن ترتيبات مسبقة،و أن الساهرين على حملته، برمجوا و خطّطوا لكل خطوة و لكل إجراء ، للاستفادة من موقع مرشحهم إلى آخر لحظة، لضمان أوفر الحظوظ له في الاستحقاقات الرئاسية.
و بقطع النظر على تقييمات و تقديرات الساهرين على حظوظ رئيس الحكومة ، فإن مسألة إعلان الشاهد عن تخليه عن الجنسية الفرنسية ، ثم تفويض مهامه لأحد وزرائه، ودعوة بقية المترشحين إلى النسج على منواله ضمن إشارته « الانتخابوية»، لم يكن لها الوقع الّذي كان متوقعا من الساهرين على حملته لدى حزء من الرأي العام والمتابعين، لذلك فإن ما أقدم

عليه قد لا يُحسبُ له ، و إنّما قد يُحسبُ عليه ، لأن القرار الصحيح هو القرار المناسب الّذي يُتّخذُ في التوقيت المناسب. ونعتقد أن ما حصل لم يكن في التوقيت المناسب، للبرهنة على سلامة النوايا في توخي النزاهة والشفافية في المسار الانتخابي العام الّذي كان مقرّرا منذ مدّة لا يستهان بها .

من حق كل الناخبين اعتماد مختلف وسائل الدعاية والأساليب المتاحة قانونا قصد حث الناخبين على التصويت لفائدتهم يوم الاقتراع ، و لكن في ظل تكافؤ الفرص لجميع المترشحين، و لا يحتاج الناخبون إلى مدونة أخلاق ، أو إلى مراجعة ما تمّ تشريعه لسبر نوايا كل مترشح، لأن إحساس الإنسان العادي يرصد السلوك ويتابع مختلف المواقف الّتي خبرها على أرض الواقع ، خاصّة في فضاء مفتوح أصبح من المتاح معرفة كل ما يجدُّ فيه و إن خفي كثيرُه، انكشف قليلُه وعلى ضوء ذلك «يصوّت في اللّحظة الحاسمة»..

المشاركة في هذا المقال