Print this page

الترشح للرئاسية ومعضلة العائلة الوسطية: في تربيع الدوائر

تعيش ما يصطلح عليها بالعائلة الوسطية معضلة المعضلات هذه الأيام وخاصة منذ فتح باب الترشحات للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها ..


كيف تتقدم لهذا الاستحقاق الهام وهي التي تمني النفس منذ فوز الباجي قائد السبسي في 2014 في الانتخابات بأن تتبوأ ولفترة طويلة كرسي قرطاج، ولكن تعدد الزعامات داخلها وما يتبع ذلك من كثرة الطموحات وما يرافقها من خصومات قد يجعلها تدخل هذا الرهان مشتتة فتفقد بذلك كل حظوظ للمنافسة الجدية ..

والإشكال في تونس أن المشهد السياسي بصدد التحول السريع وأن مركزية هذه العائلة لم تعد مسألة محسومة خاصة وأن تجربة هذه الخماسية بينت مدى انقساماتها ومدى ضعف قدرتها على إثبات جدارتها بالقيادة بغض النظر عن الأسماء والأحزاب والتشكيلات فولّد ذلك أو تزامن معه صعود تيارات جديدة جلها تريد أن تكون في قطيعة تامة مع «المنظومة « سواء أنظرنا إليها كمنظومة حزبية او كمنظومة حكم بصفة اشمل ..

وهذه القوى الجديدة المراوحة بين الرفض الكلي للثورة ولمخرجاتها ، اي بما في ذلك هذه العائلة الوسطية ، أو المعتمدة على زبونية خيروية أو حداثوية أو لرفض كامل لمنظومة الحكم باعتبارها خانت الثورة وحادت عن أهدافها تمثل مصدر قلق وأرق كبيرين لكل مكونات هذه العائلة الوسطية أي كل الأحزاب والتيارات المنحدرة من نداء تونس أو القريبة من توجهاته العامة كالبديل وآفاق خاصة ..

لو لم تبرز هذه القوى الجديدة لكان بإمكان مختلف هذه المكونات التنافس في الدور الأول للرئاسية، ولكن هذه الإمكانية أضحت شبه مستحيلة اليوم لان التقدم بزعيمين أو ثلاثة قد يعصف بآمال هذه العائلة ويجعلها خارج السباق لكرسي الرئاسة وقد تتبع ذلك هزيمة نكراء في التشريعية ..

هذه المسألة تؤرق اليوم القيادات الأولى لكل هذه الأحزاب فالرهانات ضخمة للغاية خاصة وان الموت المفاجئ لرئيس الدولة قد أقحم لاعبين جدد في هذا السباق وعلى رأسهم وزير الدفاع الحالي السيد عبد الكريم الزبيدي الذي أضحى لبعض مكونات هذه العائلة الوسطية الحل الأمثل لتجاوز هذه المعضلة .

الإشكال أن مختلف هذه المكونات مازالت متصارعة أو على الأقل متنافسة ولم تبرم بينها اتفاقا سياسيا تتقدم بمقتضاه لهذه الانتخابات فوجدت نفسها أمام معضلة شبه مشكلة تربيع الدوائر،أي كيف السبيل للوصول إلى الحل الأمثل ؟ نتفق الآن على مرشح وحيد؟ ولكن من سيتنازل لمن؟ ومن يقول بأن هذا المرشح الوحيد قادر على الفوز ونحن لم نبدأ في معترك الحملة الانتخابية ؟ ثم كيف تتفق قيادات حزبية مع رجل لا ينتمي لعالمها ولمنظوماتها؟فهل ستتخلى هي لفائدته أم سيتخلى هو لفائدة مرشحها الأوفر حظا؟

نراهن بان كل هذه الأحزاب أو جلها قد طلبت إجراء عمليات سبر آراء محينة للوقوف على حظوظ مختلف المتنافسين وخاصة القيادات الكبرى للعائلة الوسطية وان النقاشات المباشرة أو غير المباشرة الدائرة اليوم تمسك باليمين آخر نتائج سبر الآراء غير المنشورة بالطبع وباليسار إمكانيات اتفاق سياسي يكون التوافق الانتخابي احد عناصره.

يبدو أن حزب آفاق تونس بإعلانه المبكر لترشيح عبد الكريم الزبيدي قد وضع بقية الأحزاب تحت ضغط قوي خاصة لو ينسج نداء تونس على منوال افاق فعندها قد ينحصر السباق أساسا بين عبد الكريم الزبيدي ويوسف الشاهد ومهدي جمعة في انتظار أن يحدد كل من سلمى اللومي ومحسن مرزوق وسعيد العايدي موقفهم النهائي ولأي مرشح يميلون .

من يتنازل لمن ومقابل ماذا؟ هذا هو السؤال الذي يسابق الزمن اليوم ويفسر تاخر كل هذه القيادات الحزبية التي أعلنت بصيغ مختلفة نيتها الترشح للرئاسية عن تقديم ملفاتها الى هيئة الانتخابات في انتظار إمكانية توافق سياسي عام ..

لعل الحل الأكثر عمليا اليوم هو الانتقال من ستة او سبعة مترشحين مفترضين إلى مترشحين اثنين او ثلاثة على الأقصى وتواصل المشاورات الى غاية آخر اجل لسحب الترشحات في نهاية شهر أوت الحالي ..

استراتيجيات متنافسة داخل هذه العائلة تم وضعها والتخطيط لها بغاية الفوز في الاستحقاق الرئاسي القادم، ولكن مستجدات الساحة السياسية وصدمة وفاة رئيس الجمهورية واقتراب موعد الحسم وتقدم الرئاسية على التشريعية كل هذا سيضع هذه الاستراتيجيات بين قوسين مقابل إستراتيجية واحدة : تجنب الانهيار يوم 15 سبتمبر ..

ويبقى السؤال لكل هذه المكونات وراء من ؟ ومن اجل ماذا ؟

قد يكون الدرس الوحيد المستفاد لكامل هذا الطيف «الوسطي» هو أن السياسة مغامرة جماعية وانه لا معنى لطموحات فردية ما لم تكن في خدمة هدف مشترك ..

ولكن كم من دروس بقيت دون أثر ..

المشاركة في هذا المقال