Print this page

الانتخابات التشريعية ومعارك الوسط

أربعة أيام تفصلنا عن أسبوع تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية القادمة ورغم الغموض الذي مازال يلف العملية من حيث ختم التعديلات

المدخلة على القانون الانتخابي من قبل رئيس الدولة وصدورها بالرائد الرسمي قبل انطلاق هذه العملية ولكن هنالك مسائل واضحة إلى درجة كبيرة ومن بينها ما يمكن أن نسميه بمعارك الوسط أي كل التشكيلات الحزبية أو الجبهوية التي ستسعى للتقدم في كل الدوائر والتي كلها تمثل ما يسمى بالعائلة الوسطية الديمقراطية الحداثية،تلك العائلة التي كان نداء تونس عمودها الفقري في سنة 2014 والتي ستتقدم للناخبين تحت يافطات شتى كلها تدعي التجميع وكلّها تعتقد أن التجميع سيحصل حولها وحول قيادتها فقط لا غير .

لا يمكننا حصر كل الأحزاب والقائمات التي ستتنافس في هذا المجال الانتخابي ولكن يمكن ذكر أشهرها وأنشطها اليوم على الساحة السياسية..

هنالك بداية الاحزاب المنحدرة من النداء التاريخي والتي مازال لها وجود سياسي متفاوت الفاعلية بداية من نداء تونس «الرسمي» أي المجموعة الملتفة اليوم حول حافظ قائد السبسي والتي استعادت «باتيندة» كادت تفلت منها ، ثم تحيا تونس للثنائي يوسف الشاهد وسليم العزابي ومشروع تونس لمحسن مرزوق وبني وطني لسعيد العايدي ويضاف إليهم أمل تونس لسلمى اللومي دون أن ننسى جماعة سفيان طوبال المسيطرين اليوم على الكتلة النيابية للنداء ولكنهم دون يافطة سياسية واضحة إلى حد الآن وكذلك ناجي جلول ومجموعته .

ولكن النداء التاريخي لا يستحوذ لوحده على هذه «العائلة الوسطية» إذ توجد تشكيلات عدة لها وجود ميداني وهي تنافس النداء التاريخي بكل مكوناته على تمثيلية هذه العائلة وهنا نذكر على الأقل حزب البديل ورئيسه مهدي جمعة وآفاق تونس ورئيسه ياسين إبراهيم كما توجد جبهات أخرى تنتمي لوسط اليسار تنافس هي بدورها هذه العائلة الوسطية على نفس القاعدة الانتخابية كقادرون والتي نجد من بين رموزها احمد نجيب الشابي أحد أهم رجالات السياسة في تونس ما قبل الثورة وبعدها .

نحن هنا أمام عشرة كائنات سياسية وقد يزداد هذا العدد مع القائمات والتحالفات التي ستتضح معالمها خلال هذه الأيام القادمة والتي تنخرط جميعها داخل مسمى هذه العائلة الوسطية .

وجل هذه الأحزاب والتحالفات ستتقدم في كل الدوائر وستتنافس على مخزون انتخابي كانت حدوده القصوى في 2014 تقدر بـ%40 من أصوات الناخبين وهذا يعني أن التنافس الأساسي لن يكون بين مكونات هذه العائلة وخصومها السياسيين من إسلاميين أو يساريين أو دستوريين راديكاليين بل في ما بينها بالأساس وحتى إن تبدي بعض هذه التشكيلات انتقادا اكبر للإسلام السياسي أو للتيارات الشعبوية فلن يكون ذلك لخصومتها الأساسية ضدها بل في إطار تسجيل نقاط على الأحزاب الصديقة المنافسة .

هنالك أربعة أو خمسة أحزاب على الأقل تريد أن تعيد هيكلة هذه العائلة الوسطية، تحت قيادتها وهي محتاجة لهذا للتفوق على «الأحزاب الشقيقة» يوم 6 أكتوبر حتى تنعقد التحالفات في البرلمان الجديد تحت قيادتها والأحزاب التي تبدي هذه الرغبة بوضوح هي تحيا تونس ونداء تونس والبديل وبدرجة ما أمل تونس ولكن هنالك أحزاب اخرى تريد إثبات وجودها الفعلي في البرلمان القادم كآفاق وبني وطني ومشروع تونس وان تملي تبعا لذلك بعض شروطها على التحالفات القادمة .

وهنا تعترض كل هذه الاحزاب معضلة أولى وأساسية وهي إحراز كتلة معتبرة تكون وزانة في كل تحالف ممكن وحسابيا لو توفر هذا الامر لحزبين من بين كل هذه العائلة فسيكون ذلك على حساب البقية ،ثم إن أراد حزب فرض زعامته فلا اقل من تفوق واضح على بقية «الاحزاب الشقيقة» وهذا ليس مضمونا لأحد..
كل هذا يجعلنا في وضعية تقترب في نواحي من انتخابات 2011 حيث رفضت بعض الأحزاب الديمقراطية التحالف قبل يوم الاقتراع بتعلة ان يعرف كل حزب حجمه الحقيقي بالصندوق ثم تقوم تحالفات بعده.. والنتيجة يعلمها الجميع ..

صحيح اننا لسنا في وضعية هيمنة الحركة الإسلامية ولكن هذا الصنف من الاقتتال الداخلي قد لا يستفيد منه احد إلا لو تمكن حزب من بين هذه الأحزاب خلال الحملة الانتخابية من إقناع التونسيين بأنه الأكثر جدية والأكثر قدرة على الاضطلاع باعباء الحكم والأقدر على تسيير الدولة ..

ولكن يبقى الإشكال قائما ولاشك ولسنا ندري الى اي درجة سيصل التطاحن بين كل هذه الأحزاب والتحالفات من اجل إحراز بعض التقدم يوم 6 أكتوبر القادم .. كما لا ندري مسبقا تأثير إدخال عتبة %3 في احتساب عدد المقاعد ولكن الأكيد أن عددا من هذه الأحزاب سيتضرر كثيرا منها وقد لا يتمكن من الوصول إلى البرلمان الجديد حتى بنائب او نائبين ..
قديما قال التونسيون : «صاحب صنعتك عدوك» والتجسيد الأكبر لهذا المثل الشعبي هو عالم السياسة اليوم حيث يكون الصراع الفعلي على أشده داخل كل عائلة سياسية بدلا من الصراع الطبيعي بين مختلف العائلات..

المشاركة في هذا المقال