Print this page

مبادرات توحيد «العائلة الوسطية» إنقاذ للأحزاب أم إنقاذ للبلاد ؟ !

تكاثرت المشاريع التوحيدية للعائلة الوسطية هذه الأسابيع الأخيرة ، فمن جهة هنالك إعلان اندماج بين حزبي تحيا تونس والمبادرة

ومن جهة أخرى نية الاندماج بين مشروع تونس والنداء ( شق سفيان طوبال) كما تكاثرت الدعوات للتوحيد من خارج هذه الأحزاب حتى لا يتقدم «النداء التاريخي» ذلك الذي ربح في خريف 2014 مشظى وغير ذي جاذبية للانتخابات القادمة .. والكل ينتظر اليوم مبادرة جديدة من رئيس الجمهورية القصد منها رتق كل هذه الشقوق مجتمعة .

السؤال الأول والبسيط : لم كل هذه المبادرات وما المقصود بها اليوم بعد سنوات من الصراع الداخلي وحرب الشقوق التي احتلت المواقع الأولى في الحياة السياسية ؟

الجواب واضح : إنه الخوف من الهزيمة بالنسبة للجميع ومن الاندثار بالنسبة للبعض ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال هذه الأسابيع القادمة حتى تحافظ هذه «العائلة» على بعض الورقات التي تسمح لها بالحكم غدا حتى ولو لم تكن هي القطب السياسي الأول في البلاد..

ونضيف فنقول بأن هذا التوحيد يستجيب ولاشك لرغبة جزء من قواعد هذه الأحزاب ومن القاعدة الانتخابية للنداء التاريخي كذلك.. ولكن هل مازال لهذا التوحيد من معنى اليوم وهل بإمكانه إحداث التغيير الجذري في الموازنات السياسية أم لا ؟

هنالك اعتقاد عند البعض بأنه يكفي إعادة تجميع جل المكونات الحالية للنداء التاريخي (الخلاف الوحيد هو حول إقحام حافظ قائد السبسي وأصدقائه أم إقصائهم نهائيا من كل عملية توحيدية) حتى يسترجع النداء وزنه السياسي والانتخابي الذي كان لديه سنة 2014 ، وينسى أصحاب هذا الرأي أن هذه السنوات الخمس قد غيرت الكثير في أمزجة الناس وفي سقف انتظارهم من هذا الحزب خاصة ومن المنظومة الحزبية بصفة أعمّ..

ما الذي فرق بالأمس وما الذي يوحد اليوم ؟ هل هو فقط شخص حافظ قائد السبسي ؟ أو لم يتخاصم بالأمس المتوحدون اليوم ؟ هل قام كل هؤلاء الفرقاء بقراءة نقدية لماضيهم القريب أو عملوا بالمثل الشعبي «بوس خوك»؟ ولكن الأهم من هذا كله هو ماذا قدموا للبلاد خلال هذه السنوات الخمس وما الذي يضمن غدا أنهم اتعظوا فعلا من أخطائهم..

مهما كانت النوايا ومهما كان صدق الأشخاص فالمحصلة هي التالية : حزب انتصر في الانتخابات وانكفأ منذ يوم الانتصار على خلافات شقوقه الداخلية وأصبح تسيير الدولة من اهتماماته الثانوية إلا عندما يتعلق الأمر بتقاسم المناصب والمنافع ..

هذه هي الصورة الإجمالية التي بقيت في اذهان التونسيين .

ولكن هل أن عمليات التجميع الجديدة تخلصت فعلا من اللوثة الشقوقية أم تحمل في طياتها نفس هذه الجرثومة التي رافقت نداء تونس منذ التأسيس ؟

لا يجادل احد في أن تأسيس نداء تونس جاء للتعبير عن رغبة قوية في مقاومة محاولات تغيير الهوية التونسية التي أقدمت عليها أطراف الحكم في الترويكا وخاصة النهضة وحزب المؤتمر وهو بهذا قد جمع أطيافا من الحساسيات المختلفة والتي اصطلح عليها بالروافد آنذاك ، ولكن الجرثومة التي تسربت للنداء منذ تأسيسه تمثلت في التحاق كم هائل من الانتهازيين هدفهم الرئيسي هو التواجد في حزب قادر على الحكم تماما كما كان الشأن مع التجمع المنحل ، والحكم عند الانتهازيين هو بالضرورة مصالح ومنافع وشبكات زبونية لا سياسات وبرامج وأفكار ..

فـ«التوريث الديمقراطي» الذي كان السبب المباشر للانهيار التنظيمي والأخلاقي لنداء تونس لم يكن بإمكانه ان يؤثر كل هذا التأثير لو كان النداء حزبا سياسيا قائما على أفكار وبرامج ويقوده مناضلون همهم الوحيد هو خدمة الصالح العام من زاوية نظرهم.. والمسالة لا تكمن في الخيارات الكبرى اذ لاشيء يمنع حزبا وسطيا أن يكون بهذه الشاكلة ، فالوسطية لا تعني الانتهازية أو الزبونية ..

السؤال المحوري هو هل تخلصت محاولات التوحيد هذه من الانتهازيين ومن الشبكات الزبونية أم تخلصت فقط من حافظ قائد السبسي ومن صحبه؟ فإن كان الأمر الأول فالتجميع يصبح مرادفا لإحلال الأخلاق في السياسة وإن كان الثاني فستؤدي نفس الأسباب الى نفس النتائج..

وما قلناه عن المبادرات الحزبية الاخيرة ينطبق بأكثر شدة على المبادرة الجديدة المفترضة لرئيس الدولة والتي يريد منها فقط إيجاد مكان لنجله في التوليفة السياسية القادمة والذي قد يفقد الباتيندة وكل الفوائد المتعلقة بها بعيد أيام قليلة ،ولو هذه المخاوف لما كان هنالك تفكير في مبادرة جديدة..

لقد ساهم النداء الواقعي (مقابل النداء التاريخي) في رسم أسوأ صورة عن الأحزاب والسياسة وهو يواصل نفس المسار عبر هذه العمليات التوحيدية التي تعطي الانطباع بأن الأهم عندهم هو إنقاذ أحزابهم ومواقعهم فقط لا غير ..

لو أرادت هذه المبادرات الحزبية ان تعيد ثقة الناخب في هذه العائلة الوسطية فعليها أن تعمد إلى البناء السياسي الجدي وان تستبعد كل الانتهازيين والوصوليين من صفوفها وان تقدم أفكارا جديدة، أما ترميم الواجهة والإبقاء على نفس الأعراض فلن يؤدي إلا إلى تكرار نفس الأخطاء ..

المشاركة في هذا المقال