Print this page

قبل 6 أشهر من الاستحقاقات الانتخابية: تواصل الضبابية في المشهد السياسي

المتعارف عليه أنه في الفترة الّتي تسبق أي استحقاق انتخابي، تستعـرض الأحــزاب السياسية والشخصيات المتطلعة للحصول

على مقعد نيابي أو كرسي رئاسي، أفضل ما تحقّق و أجمل صورة لاستمالة أوسع الفئات من الناخبين. و لكن ما نعاينه في تونس اليوم رغم قصر المدّة الّتي تفصل التونسيين عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، حالة من الفوضى، ومشاهد بعضُها رديء و بعضها الآخر سيّء الإخراج، وأحيانا سمجة ومُقرفة.

 

وآخر المستجدّات الّتي يتابعها الرأي العام الخاص والعام، تداعيات مؤتمر نداء تونس الّذي انعقد في ذكرى وفاة بورقيبة، ولعل اختيار هذا اليوم كان بغاية إحياء ذكرى استعادة مميزات سياسة هذا الرجل، ولكن ما حصل لم يعكس الاختلاف المثري، وإنما كشف عن التنازع المُكرّس للاختلاف الكابح للتجاوز والمُعرقل لإعادة البناء، رغم «الإجتهاد» بالظهور بمظهر التعامل بمنطوق أحكام صندوق الإقتراع.

لقد توجهت إرادة الإحتكام إلى هذا الصندوق داخل حزب نداء تونس وحصل ذلك مع بعض الأحزاب الأخرى، وعلى مستوى الانتخابات العامّة، بهدف إستعمال إحدى القواعد المركزية للديمقراطية، ولكن أصيب التونسيون بخيبة أمل في جانب هامّ ممّا أفرزته صناديق الإقتراع، إلى درجة أن العديدين منهم أصبحوا يشكّكون في نجاعة هذه الآلية في التعبير عن إرادة أوسع الفئات، بعد أن ثبتت لديهم قدرة أصحاب النفوذ والمال على توجيه الناخبين، وعجز قانون الانتخابات عن تشريك كل المواطنين في ممارسة حقهم الإنتخابي وأداء واجبهم الوطني.

ورغم أنه لم يقع الحسم بعدُ ،في المخرجات النهائية لمؤتمر نداء تونس، فإن «الغوغائية» الّتي أثيرت إثر التصريح عن النتائج، والتلاسن بين «القيادات» وتبادل التهم، زادت الأمور ضبابية داخل هذا الحزب وكشفت عن غياب النضج السياسي وضعف الوعي بمتطلبات المرحلة المقبلة الّتي لا تهم حزب النداء فقط بل تهم المشهد السياسي العام .

وعدم الوعي بمقتضيات المرحلة يشمل أيضا حزب النهضة، الّذي يشغله ما يحدث من مستجدات في ليبيا والجزائر والسودان، لما لذلك من تداعيات على علاقاته الخارجية ومستقبل حلفائه . كما يشغله كثافة «ضباب» حول المشاهد الداخلية غير المستقرّة في البعض وغير المعلومة في البعض الآخر. لذلك نراه يعود إلى الأرشيف، ليدعو في بيان أخير صادر له بمناسبة ذكرى 9أفريل لعيد الشهداء الى الدعوة إلى «المصالحة الوطنية الشاملة» الّتي سبق أن دعا إليها في رد على مقترح المصالحة الوطنية الّذي بادر به قائد السبسي. ونراه يعيش نوعا من الحيرة للبحث عن حلفاء ثابتين لخوض الاستحقاقات القادمة، فيلجأ إلى التعميم بالتعبير في نفس البيان عن «الحرص على إنجاز الاستحقاقات الانتخابية القادمة في ظل مناخ سياسي واجتماعي سليم».

بهذه الدعوات يوحي حزب النهضة بأنه غريب عمّا يحصل، ويريد أن يوهم الناس وأتباعه، بأن لا يد له في ما وصلت إليه البلاد من تأزّم، و في نفس الوقت يريد أن يبرهن على أن «ذراعيه» مفتوحتان للجميع .

هذه المواقف يبرّرها عدم وضوح الرؤية بصورة جلية، عمّا يضمره ويخفيه منافسه الأكبر نداء تونس، وعمّا يخطّطه مستشارو الشاهد المنافس الأصغر المُبوّب كمشروع حليف جديد له. وينتظر حزب النهضة أيضا ما ستفضي إليه محاولات التكتل والتجميع لمنافسيه . لذلك سيبقى هذا الحزب، في حالة ترقّب غير مريحة، إلى حين إنعقاد مؤتمر حزب «تحيا تونس» واستجلاء ما سيطرأ من تغيير.

إن المؤتمر المرتقب لحزب «تحيا تونس» شوش عليه نسبيا قرار نداء تونس رفع التجميد عن يوسف الشاهد، مّما سيجعل هذا الأخير مجبرا على طلب الإستقالة سواء أكان راغبا في مسك قيادة الحزب المنسوب إليه، أو كان مجرّد منخرط فيه، وذلك بسب منع قانون الأحزاب الجمع بين الإنتماء لحزبين في نفس الوقت.

وما ينتظر هذا الحزب ليس هيّنا، لأن المنتظر لا يتمثل في معرفة هياكله وقياديه فقط ، بل المنتظر برنامجه و لوائحه وكشف تحالفاته الحقيقية، ومواقفه الّتي سيدخل بها معترك الانتخابات المقبلة، وكذلك كيفية بناء وحدة أعضائه وتماسكهم وتجنّب بذور التصدّع ونحت ركائز صموده في الحملات المقدم عليها.

وراء هذه المشاهد تبقى عدّة أطراف أخرى حزبية ومن المجتمع المدني في وضع انتظار هي الأخرى، بعد أن صرحت عن رغبتها في تشكيل تحالفات وجبهات إنتخابية و تقدّمت بمبادرات لتجميع هذا الشتات أو ذاك، وتجد نفسها مضطرّة للترقب في انتظار انجلاء الضباب عن الواقع الجديد للخارطة السياسية لحزم أمرها و تحديد خياراتها أو وجهتها.

ولا ننسى أن الوضع في المنطقة غير واضح، ولا يمكن أن تتجاهل تونس و مجتمعها السياسي ذلك ، للإدراك بمدى تأثير هذا المُعطًى على الأوضاع في تونس ،و هو ما يُشكّل ُ منطقة ظل لا تتضح فيها الرؤية في الوقت الراهن، وتستدعي المتابعة والأخذ بعين الاعتبار كعنصر مؤثر في قراءة المشهد السياسي العام .

المشاركة في هذا المقال