Print this page

الأوضاع اللّيبية وضرورة الحوار: سفك الدماء لا يحل النزاعات

التطورات السريعة الّتي شهدها الوضع لدى جارتي تونس وشقيقتيها الجزائر وليبيا ، تُحظى بمتابعة الشعب التونسي و دولته،

لأن الإرتباطات التاريخية و الجغرافية و السياسية و الإقتصادية ، تفرض الحرص على أن تكون كل الإهتمامات منصبّة على تنقية المناخ الإجتماعي و السياسي في المنطقة والإنشغال بالإنماء و التقدّم .

فما يجمع تونس و الجزائر و ليبيا ليست الحدود المباشرة للأراضي ،و إنّما أمن المنطقة وسلامة ترابها و حمايتها من كل ما يمكن أن يشكّل خطرا على شعوبها من أطماع القوى المهيمنة ، ومن أطماع الأطراف الدّاخلية الّتي تسعى إلى فرض نمط سياسي يخدم مشاريع سياسية تسعى إلى الشد إلى الوراء بتفكير لا يخدم مصالح الشعوب .

لا شك أن لكل دولة أسلوبها و منهجها في معالجة المشاكل الدّاخلية ، و لكن هناك مصالح مشتركة تشغل الأشقاء ، و هناك هاجس إستقرار في كل بلد ، و عدم اعتبار ذلك يشكّل مصدر المخاوف من آثار التوتّر أو انخرام الأمن أو الفوضى .

فالشعوب الثلاثة تحتمي تلقائيا بالجار كلّما شعرت أنها مهدّدة في أمنها أو في قوتها من أي قوّة كانت ، لذلك كانت تونس ملاذ اللّيبيين عندما هاجمها الإئتلاف الغربي وعندما حلّت موجة الفوضى والتقاتل و كان كذلك الأمر في معارك التحرر من الاستعمار المباشر. كلما هرعت اليد العاملة التونسية إلى ليبيا و جدت سندها من اللّيبيين وفُتحت أسواق البلدين وعرفت المبادلات التجارية ازدهارا كبيرا.

نفس الأمر حصل بين تونس و الجزائر ، الّتي يشهد التاريخ على الأواصر الّتي كانت تربط البلدين في مواجهة الاستعمار و في التعاون في أحلك الفترات و المؤازرة الّتي تربط هذه الدولة بتلك في مواجهة المصاعب في مجالات عدّة .

و لا شكّ أن الشعب الجزائري و قواه الحيّة سيتوصلون إلى الحلول السياسية الكفيلة بتجاوز المصاعب الّتي سيطرت على المشهد السياسي الدّاخلي و ينطلقون مجدّدا في معركة الإنماء في كنف الإستقرار على أسس تتلاءم مع تطلعات الشعب الجزائري ، الّذي برهن في أكثر من مناسبة عن قدرته على تجاوز الصعوبات والمحن .

و لكن بسبب وجود الجزائر و تونس وليبيا في خندق واحد في درء مخاطر الإرهاب و التصدي له والتعاون من أجل مجابهته ، فإن ما يحصل في ليبيا ، هو بالضرورة مصدر إنشغال تونس والجزائر على حدّ السواء . وما يزيد القلق أن ما حصل جاء في ظروف صعبة يواجهها البلدان وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.

من هذا المنطلق عملت تونس والجزائر وتونس و مصر الجار المباشر لليبيا على البحث عن الحلول الكفيلة بتصفية الخلافات الدّاخلية اللّيبية بسبب عدم التوصّل إلى حلول توافقية بين مختلف الأطراف ، و حشر عدة بلدان غربية نفسها في النزاعات الدّاخلية بغاية رعاية مصالحها . و بدأت هذه المساعي منذ 2015 بغاية إحتواء كل الخلافات و تجاوز الأزمة في إطار بنّاء يخدم المصالح المشتركة.

ولكن رغم الحديث في قمّة تونس للجامعة العربية الّتي التأمت مؤخرا عن بوادر جديدة لحل الازمة اللّيبية ، فقد تأجّجت المعارك في ليبيا وشهدت زحفا لقوى «اخوة» من بن غازي على أخوة لهم في طرابلس تسبب في المواجهة والتقاتل بالسلاح والنار.

لذلك يُطرح التساؤل عن سبب التصعيد المفاجئ إثر القمّة العربية مباشرة ، و في ظرف حسّاس تعيشه الجزائر بسبب إنشغالها بالأوضاع الدّاخلية ،و في ظروف تأزم إقتصادي و سياسي في تونس.

فهذا ليس من قبيل الصدفة ، بل أن ذلك يكشف أن ما حصل كان في توقيت تمّ إختياره للقيام بعملية» استباقية « لفرض الأمر الواقع . والمؤسف أن هذا كان سببا في إراقة الدّماء و في زعزعة أمن المنطقة و في دفع دول الجوار لإتخاذ اجراءات وقائية و تشتيت جهودها في الجهة الدّاخلية .

هذا الأمر الواقع لن يجنّب مختلف الأطراف اللّيبية الرجوع إلى الحوار يوما ما ، لذلك لا بدّ من تدخّل دول المنطقة لوقف سفك الدماء بين أبناء الشعب الواحد و لا بد للأطراف اللّيبية نفسها بأن تبحث عن حل توافقي لا يفرض لغة القوّة وإنمّا يعتمد قوة الحوار لفض النزاعات الداخلية لما فيه مصلحة الشعب اللّيبي المهدّد بأطماع الإرهاب وبأطماع الدول الغربية الباحثة عن مزيد بسط نفوذها و الإستحواذ على ثروات البلاد.

المشاركة في هذا المقال