Print this page

الاتحاد العام التونسي للشغل والانتخابات القادمة: انخراط البرنامج بدل انخراط الترشح

منذ عدة أشهر تقول قيادات الصف الأول في الاتحاد العام التونسي للشغل بأن المنظمة النقابية معنية بالانتخابات التشريعية

والرئاسية القادمة ولكنها لم توضح إلى حد الآن طبيعة هذا الانخراط وهل سيكون بالمشاركة المباشرة عبر قائمات وشخصيات تعبر عن الاتحاد أم بدعم قائمات أخرى أو بترك الحرية للنقابيين للترشح ضمن القائمات التي يرونها ..
الخطاب الذي ألقاه الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي يوم أمس عند إشرافه على مؤتمر جامعة البريد أعطى مؤشرات أولى على طبيعة هذا الانخراط النقابي في الانتخابات.
المؤشر الأول هو أن الاتحاد سيقوم بحملة مكثفة للحث على التسجيل والتصويت وحسن الاختيار أما المؤشر الثاني والاهم فهو إعداد الاتحاد برنامجا اقتصاديا واجتماعيا لتونس للخماسية القادمة .برنامج يمكن أن يكون قاعدة انطلاق لبرنامج حكومي وهذه ستكون المرة الثالثة في تاريخ المنظمة الشغيلة التي تصدر فيها برنامجا اقتصاديا واجتماعيا الأولى كانت في سنة 1955 وقد الهم كثيرا حينها حكومة الاستقلال الأولى في جوانب عدة منه والثانية كانت في سنة 1984 ولكن السياق اليوم يبدو مختلفا عن المناسبتين الماضيتين إذ سيكون هذا البرنامج الذي سيعلن ، على الأغلب، خلال شهر افريل القادم بمثابة محرار موقف الاتحاد من كل القائمات والشخصيات التي ستترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية في الخريف القادم..
ولعل الاستنتاج الأول هو أن المنظمة الشغيلة لن تشارك في الانتخابات القادمة بقائمات تمثلها مباشرة أي كأي حزب أو ائتلاف حزبي ، هذا الخيار الذي كان مطروحا على طاولة النقاش النقابي يبدو وانه قد استبعد نهائيا نظرا لحشره اتحاد الشغل في خانة التحزب العادي ولما قد يتهم به من تحويل دوره الوطني المعترف به لدى اغلب الفرقاء السياسيين إلى دور حزبي لا ينسجم مع تاريخ الاتحاد وطبيعة تموقعه في الساحة العامة..

إذن سيقدم الاتحاد تصورا دقيقا وبرنامجا عمليا لجملة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يقترحها للبلاد ولطرق تمويلها بما قد يمثل أرضية ممكنة لعمل حكومي خلال الخماسية القادمة ، وهكذا سيحدد الاتحاد موقفه من المترشحين للتشريعية وللرئاسية وفق التقاطع مع هذا البرنامج من عدمه ..
ولكن السؤال الآن هو كيف ستتعامل مختلف الأحزاب والائتلافات مع هذا البرنامج ؟ وكيف سيتعامل الاتحاد مع كل من يدعي تبنيا كليا أو جزئيا لبرنامجه ؟

يمكن أن نجزم منذ اليوم أن عدة قائمات حزبية وائتلافية ومستقلة ستدعي أنها ستنهل من هذا البرنامج ، فهل ستدعوها المنظمة الشغيلة إلى الإمضاء على وثيقة ما دليلا على التزامها بما جاء في البرنامج أم أن الأمر سيترك دون تأطير ؟ وفي صورة ادعاء اكثر من طرف الانخراط في هذا البرنامج الاقتصادي والاجتماعي كيف سيتصرف الاتحاد ؟ هل سيوصي منخرطيه بالتصويت لهذه القائمات دون غيرها ؟ وهل سيقيم سلما تفاضليا بين مختلف القائمات المتبنية لبرنامجه؟
أسئلة عديدة بعضها شائك لان لكل موقف تبعات لا فقط يوم الاقتراع ولكن خاصة بعده إذ لو دعم الاتحاد قائمات بعينها فقد يتحمل ولو بصفة غير مباشرة نتائجها..

يبدو أن الاتحاد قد اختار الطريقة الأكثر عمقا والأقل ضررا لتأطير مشاركته في الانتخابات القادمة ويبقى السؤال مطروحا : هل سيغير انخراط الاتحاد المشهد العام وهل سيؤثر في التوازنات السياسية أم لا ؟
ولكن وفي كل الحالات فان وجود برنامج اقتصادي واجتماعي اشتغلت عليه كفاءات نقابية وعلمية عديدة سيدفع بالنقاش العام إلى الأعلى وسيجبر كل المترشحين على مقارعة البرنامج بالبرنامج والابتعاد عن الغوغائية العادية والشعارات العامة من أجل حملة انتخابية قائمة على الأفكار والمشاريع الملموسة .. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ..

المشاركة في هذا المقال