Print this page

بعد تصريحات لطفي زيتون: نقاط تقاطع خيوط التشدّد والإنغلاق

بعد الحديث عن الجناح السري لحركة النهضة ثم الحديث عن المدارس العشوائية «المنظمة» في الرقاب و غيرها،

و أخيرا تصريحات لطفي زيتون أحد القيايدين بحزب النهضة، كلّها أحداث متتالية ، يغطّي كل واحد منها ما سبق، ببروزه على الساحة الاعلامية وعلى المنابر المفتوحة.
وفي كل الحالات يكون الفكر المتشدّد هو محرّك الحدث، وهو الغول المخيف للقوى الديمقراطية المتمسكة بمناخ ملائم لممارسة الحقوق والحريات في كنف علوية القيم الجهمورية و القانون.

فالأجنحة السرية الأمنية والعسكرية في التنظيمات السياسية ، هي الأكثر خطورة على مؤسسات الدولة وعلى الأمن العام لأنها تنشط ضمن خلايا منظمة موازية، تعمل على بلوغ السلطة بالقوّة ، أو إلى بعث تشكيل إحتياطي قادر على ممارسة العنف و فرض السلطة - بالقهر - عند دعوتها أو تحريكها من القوى السياسية العلنية.
لذلك كثفت حركة النهضة نشاطها الاعلامي، ووجدت نفسها مطالبة بإبعاد التهم عنها ، و أصبحت تعمل على تحويل النظر عن هذه القضية ، بمحاولات متكرّرة لتغيير وجهة التحقيق في الموضوع بالتشكيك في ما كشفته هيئة الدّفاع عن شكري بلعيد و محمّد البراهمي، بالادعاء بوجود دوافع سياسية من تفجير هذه القضية، وبالقول بوجود نوايا للتوظيف، وبطرح التساؤل عن التمويل.

وعندما كُشفت بؤرة الرقاب ، تحوّلت الأنظار عن التنظيم السري ،و تعلّقت بـ«المدرسة الشبح»، رغم أن شبيهاتها كثيرة و معلومة في عدّة مناطق وجهات. والغريب أن لهجة التشدّد والترهيب والإرهاب لم تختف، بل انكشفت الجبهة الثانية الّتي تعمل النهضة وأتباعها، على اكتساحها من أبواب خلفية عبر منهاج «التربية والتعليم» الّتي هي في الحقيقة مناهج للتجهيل وغسل الأدمغة و تكوين منابت للتعصب والارهاب .

لقد تأكد القول بأن أهداف ما سمي بالإسلام السياسي، ليس في التغيير الحيني بل في التدرج نحو اختراق النمط المجتمعي والتغلغل فيه عبر عدّة مناهج «أسلمة» المجتمع بمفهوم الفكر السلفي، بداية من تأطير النشئ واعداده وتهيئته لأخذ المشعل الجهادي .
ووقف التونسيون على لهجة التعنت في الخطاب السلفي و تحدي الدولة، كما وقفوا على المرونة في التعامل مع الظواهر الخطيرة الّتي تلقى التمويلات الكافية لتنظيمها و احكام توزيعها ، وعلى وجود الدّاعمين لها حتى من أولياء الأطفال المغرّر بهم ، وحتى من بعض أشباه الحاملين لراية الدّفاع .
وفي الوقت الّذي تتم فيه محاولات لملمة تداعيات بؤرة الرقاب، والسعي إلى «خنق» امكانيات اتساع التحقيق فيها ، أثارت تصريحات لطفي زيتون الّذي سبق أن ذكر اسمه في التنظيم السرّي ، زوبعة طالت تفكير ما يسمى بالاسلام السياسي، ولم نقف في الحقيقة على أقوال كان بعضها معلوما ، بل تعرّفنا على موقف صريح من حزب النهضة بخصوص تناول الخلافات

الحزبية بغير الصوت المتجانس مع موقف الحزب، و هو موقف في ظاهره متسامح لأنه دعا «قادة الحركة والمتحدثين بإسمها الى الإلتزام والتعبير عن المواقف والسياسات الرسمية لها.» ولكن في باطنه صارم وتهديد مبطّن ، غير موجّه للطفي زيتون فقط بل لغيره من الّذين يبدون موقفا نقديا من قيادة حزبهم.
هذا الموقف يذكّر بالصرامة الحزبية في الأحزاب الشمولية و الفاشية، ويكشف عن مفهوم الديمقراطية لدى النهضة، الّتي تريد أن تؤكّد أن المسائل الداخلية تبقى في «المطبخ الدّاخلي» الضيق، حتى لا يستغلها المنافسون، وحتى لا تليّن دغمائية القواعد الواسعة أو تزعزع ثقتهم العمياء.

إن الخيط الرابط بين تشكيل تنظيمات سرية واختراق أجهزة الدولة وبؤر التجهيل بمنطقة الرقاب و غيرها وفرض ضوابط حزبية صارمة، يتمثل في تأطير التربص بالنظام القائم بمختلف مرتكزاته والإعداد لتركيز نظام بديل ولو على مراحل، بعقلية متفتحة في الظاهر ولكنها منغلقة في الحقيقة.

لذلك تنتفض و ترتعد النهضة، من أي «إنفلات» أو «تسريب» لحقيقة مواقفها، فتراها لا تدّخر أي جهد للتعتيم ، وتقف ضد كل محاولة لكشف مخطّطاتها، وتساوم بلا هوادة لفرض إرادتها على الأجهزة القائمة ،و كم ترتاح ، للتواطئ الضمني لأجهزة الدولة والحكومة والعديد من الاحزاب بالصمت ، أو التواطؤ المفروض بـآلية «التوافق»، لتحقّق ما تصبو إليه . والدليل على مدى صحة هذا القول، نجده في ما فتح من ملفات مشابهة ثمّ قُبرتْ ، وما سنعرفه بخصوص مآل الملفات المفتوحة ...

المشاركة في هذا المقال