Print this page

على وقع المدارس العشوائية: ضريبة الصمت على تجاوز القانون و القضاء

من حيث المبدأ وُضعت القوانين لكي تُطبّق، ولكن من حيث الواقع ، نقف يوميا على تجاهل تام للعديد من القوانين، ليصبح

التطبيق حسب الحال و الأحوال.
وما حصل الأسبوع الماضي بخصوص كشف عدّة مدارس خاصة لتجهيل فئات من الناشئة و لتعميق جهل عدد من الشبان والكهول، يقيم الدليل على تغييب القانون، وتجاهله وغض طرف أجهزة الدولة عن تجاوزات خطيرة.
و هذه التجاوزات ليست بمحض الصدفة، و ليست حالات شاذة ،و إنّما هي تصرفات مقصودة و مُمنهجة ، لتغيير العقليات ، و تغيير أسس التربية والتعليم ، و نزع جزء من مهام الدولة ، في إطار تهيئة المناخ لمشروع المجتمع الذي تخطّط له القوى الظلامية عبر عدّة قنوات سياسية تحت تسميات مختلفة .
والحالة ليست وليدة اليوم ، بل شهدت تونس خاصة بعد جانفي 2011 حالة من الإنفلات و التسيب تمّ إستغلاله في فترة حكم الترويكا و تواصل إلى الآن ،إذ إستغلّت العديد من الجمعيات و عدّة تشكيلات بتسميات مختلفة ، حالة التسيّب والفراغ لاقتطاع جانب من مهام الدولة والسلط العمومية ، و ممارستها على طريقتها الخاصّة ثم التمادي في السعي إلى فرض ذلك حتى بعد انتخابات أكتوبر 2014 معتبرة ذلك حقّا مكتسبا لا يمكن لأي كان سحبه منها و هو ما شجّع الأفراد على تحدّي أي سلطة في عدّة مجالات منها فضاءات رياض الأطفال و مدارس خاصة و قاعات رياضية خاصّة ومنتديات و حلقات توجيه واستقطاب.
والغريب أن التصريح العلني و المنقول بالصوت والصورة لمن يتحدون على الملأ السلطة وقوانينها و يهدّدون و يتوعّدون التونسيين بالويل والانتقام ، لا يُحاسَبُون على أفعالهم ، ويجدون من يدافع عنهم على المنابر بواسطة الّذين تقع استضافتهم في مؤسّسات عمومية وخاصّة ، وتمكينهم من تبرير مواقفهم وأفعالهم .
وما يثير الإستغراب أن بعض المنتمين لحزب النهضة أو المتعاطفين معهم تجدهم يُبرّرون التصرّفات المخالفة للقانون، ويُلقون باللّوم على السلطة العامّة ويعيدون ما حصل، إلى تقصير هذا المرفق أو ذاك ، و الحال أنهم من المشاركين والفاعلين في السلطة .
إن «الإطمئنان» لعدم الملاحقة وعدم التتبّع وفي النهاية للإفلات من العقاب هو الّذي يشجع على تكرار التجاوزات و تحدّي السلطة والدليل على ذلك ما حصل في الرقاب من تحدي لقول القضاء و في غيرها. و قد سبق في أكثر من مناسبة التنبيه إلى خطر غض النظر عن عدم تطبيق الأحكام القضائية خضوعا لإرادة أشخاص أو جمعيات أو إستجابة لأجندات سياسية أو فئوية ، بعد أن تكرّرت عدّة حالات كثيرة من «إستصغار» للسلطة وعدم إحترام لقول القانون و القضاء و من ذلك ما حصل سابقا في العبدلية و ساحة محمّد علي والقصبة على يد من يدّعون «حماية الثورة» أو ما صدر عن هيئة الحقيقة والكرامة و حتى الهيئة الوقتية للقضاء العدلي،و ما يتكرّر من تعنّت بخصوص مخرجات «العدالة الانتقالية» وما يحصل من تعطيل و تسويف لملف ما سمي بالتنظيم السرّي وملفي المناضلين شكري بلعيد ومحمّد البراهمي.
لقد أصبحت الحياة السياسية في تونس فضاء لزوابع تثور و تُخمد بسرعة ،كما خمد ملف التعرّف على المتحكمين و الفاعلين في شبكات التجنيد و الدّاعمين لها صراحة أو ضمنيا بالصمت أو بغض النظر عن نشاطهم.
تلك هي ضريبة عدم إعمال القوانين و عدم تنفيذها و معاينة تجاهر أشخاص على الملأ بإرتكاب أفعال تدخل تحت طائلة التتبعات العدلية دون أن يسائلهم أحد ، لذلك لم ولن يقلعوا عن تحديهم و إشهار قوّة نفوذهم، والتهديد بالمزيد إن أمسكوا السلطة في المستقبل.
ولا أحد يمكن أن يقبل التبريرات بخصوص بؤر التجهيل المنتشرة ، ولا مناص للحكومة إذا أرادت إثبات جديتها في التصدّي لهذه المظاهر الاجرامية من فتح ملفات الجمعيات و طرق تمويلها وعدم التسامح مع ما يمسّ من مقومات التربية والتعليم والرياضة المدنية الّتي تبقى مجالات تحت الرقابة المطلقة للدولة برمجة ومحتوى، وسد الباب أمام توظيف و إستغلال الدين تحت أي يافطة كانت.

المشاركة في هذا المقال