Print this page

ضحايا صناعة التطرّف: ما بين «مدرسة الرقاب» وسجون بلدان النزاع من اتصال

ما المشترك بين أطفال ويافعين محتجزين في «مؤسسات صناعة التطرّف» داخل أرض الوطن(الرقاب،تونس الكبرى وغيرها) والأطفال

المعتقلين صحبة أمهّاتهم في السجون الليبية أو السورية أو العراقية أو أولئك المستقرّين في المخيّمات التركية؟
تتشابه في الواقع، قصص الحياة التي توضّح نمطا من العلاقات الأسرية قائم على استغلال الكبار للصغار والتحكّم في مصيرهم، باعتبارهم «المالكين» للثروات أو الأولاد. وحين يقرّر الأولياء تزويج القصّر أو التصرّف في أجساد الفتيات بحجب شعر الرأس وإجراء الخفاض أو إرسال الذكور إلى المعسكرات التدريبية التابعة للجماعات المتطرّفة ليس أمام الأبناء إلاّ الرضوخ لقرارات الكبار في ظلّ تنشئة اجتماعيّة تكرّس قيم الطاعة والتبعيّة، وقوانين تجعل الأب المسؤول عن مصير من هم 'تحته' حتّى وإن كان فاقدا للأهليّة.
وبالرجوع إلى شهادات النساء المورّطات في الإرهاب أو المرافقات «للجهاديين» أو المهاجرات «لدار الإسلام» نتبيّن أنّ عائلات برمّتها قد سافرت بالفعل إلى مواطن النزاع، وفي حالات أخرى نحن مع أب اصطحب الذكور من أبنائه أو أخ أقنع إخوته بضرورة شدّ الرحال إلى «أرض الخلافة»، وفي حالات قليلة نعثر على أمّهات اصطحبنّ أبناءهنّ إلى بلدان النزاع قسرا رغم رفض الأب. وما إن تصل هذه الجموع إلى «الإمارات الإسلاميّة» أو «دولة الخلافة» حتى تبدأ أوّل محطّة من محطّات صناعة المتطرفين الجدد، ونعني بذلك تحقّق العزلة المكانية تليها مرحلة العزلة الشعوريّة القائمة على القطع مع المجتمع الجاهليّ ومعاداة الكفار وتعويض السلطة الأبوية بسلطة الجماعة لتأتي مرحلة تلقين مبادئ الجماعة وطرق أداء الطقوس وحفظ قائمة المحرّمات والتصرّف وفقها. وبعد التأهيل والتشريط والتحكّم في الأجساد حتى تكون طيّعة وفي العقول حتى تكون متقبّلة لكلّ الأوامر والنواهي تكون ملامح صناعة المتطرّف قد اتّضحت.
وسواء تحدّثنا عن أطفال محتجزين في السجون أو في مؤسسات صناعة التطرّف فإنّنا إزاء تشكّل خطاب الوصم الاجتماعيّ المؤسس للنبذ والكراهية واللفظ خارج المجتمع. فالأطفال يحضرون في الخطاب الإعلامي والسياسيّ والاجتماعي بوصفهم «أطفال داعش»، «أشبال الخلافة»، «أبناء المقاتلين» أبناء الجهاديّين، «القنابل الموقوتة» «أبناء المدرسة القرآنية بالرقاب» «فروخ التطرّف» أبناء وجدي غنيم «أولاد تربية الدواعش»... ولكن اليوم وبعد أن سقطت الأقنعة وظهرت عمليّات توظيف الأطفال للخدمة والعمل الشاقّ واستغلالهم اقتصاديا وجنسيّا وتشكيل عقولهم وفق أيديولوجيا متطرّفة هل سيراجع التونسيون مواقفهم من شريحة عمرية ارتبط وجودها ومصيرها بالفكر التفكيريّ أو بالجشع المادي الذي يجعل الوليّ يضحيّ بابنه في سبيل الحصول على المال؟ هل سيتغيّر موقف التونسيين من مسألة عودة الأطفال من السجون التي وجدوا أنفسهم يعيشون فيها دون ذنب اقترفوه؟ ثمّ هل ستتحرّك مختلف مكونات المجتمع المدنيّ لتهيئة عمليّة التأهيل والإدماج؟هل يمكن أن نتعاطف مع ضحايا «مؤسسات التطرّف بالداخل» ونغضّ الطرف عن ضحايا صاروا موضوعا للتفاوض بين الحكومات مجرّد أرقام تضغط ليبيا والعراق وسوريا حتى «نسترجعهم»؟ وما هي الاستراتيجيات المعتمدة وهل لنا مختصون في التعامل مع هذه الفئة التي نشأت على وقع المدافع وطلقات النار وعاينت الدماء والجثث؟
أسئلة كثيرة تطرح على بساط الدرس وتستوجب، في نظرنا، فتح ملفّ عودة الأطفال القابعين في السجون وتقديم إجابات دقيقة وتقتضي من الجميع جرأة على مراجعة المواقف وعقلنة الآراء والخطابات علّنا ننقذ ما يمكن إنقاذه... هذا ما فعله بنا بعض من «أبناء جلدتنا» في سبيل خدمة أهدافهم الدنيئة ..
قد يتحمّل الراشدون الصدمة ولكن آثارها على أجساد الأطفال ونفوسهم ستبقى في الذاكرة إلى الأبد... وتلك جناية وجريمة لا تغتفر.

المشاركة في هذا المقال