Print this page

أزمة منظومة الحكم تصل إلى منتهاها (؟) الانقلاب ؟!

كنا قد توقعنا منذ عدة أسابيع أن تصل «الحرب» المستعرة داخل منظومة الحكم ولاسيما داخل الحزب الفائز بانتخابات 2014 إلى مستويات

رديئة تكون فيها كل اللكمات مباحة فوق «السنتورة» وتحتها ..ولكن لم نكن نتوقع بأن يصل مستوى هذه الحرب المسعورة إلى مثل هذه الرداءة وإلى مثل هذا الانحدار ..
كلنا ندرك أن الصراع داخل نداء تونس وبين رأسي السلطة التنفيذية لم يكن ليوم واحد نتيجة اختلافات في السياسات العامة أو في الاختيارات الكبرى بل كانت حرب مواقع حول الحكم وشروط البقاء فيه وكنا أكدنا في أكثر من مناسبة أن هنالك مسؤوليات لا يمكن إنكارها كانت السبب الرئيسي لهذه الحرب المسعورة والمتعلقة بما أسميناه بمسار «التوريث الديمقراطي» وقد بدأ هذا المسار بوضوح منذ الأسابيع الأولى لسنة 2015(إن لم يكن قبلها) وحصلت الانشقاقات الواحد تلو الآخر في الحزب الفائز قبل بروز نجم يوسف الشاهد واعتلائه رئاسة الحكومة ، بل ظن الكثيرون أن تعيينه كان حلقة جديدة في هذا المسار نظرا لوجود قرابة عائلية بينه وبين نجل رئيس الجمهورية ..
ولكن بين هذا الصراع الداخلي الذي احتد منذ أكثر من سنة وبين انتقاله إلى المؤسسات الأساسية للدولة بون شاسع قطعه الجميع بكل أريحية وبقدر اقترابنا من المواعيد الانتخابية الحاسمة في نهاية السنة المقبلة ينحدر هذا الصراع إلى مستويات غير مسبوقة أضحت تمثل خطرا حقيقيا على سلامة الانتقال الديمقراطي للبلاد..
لا وجود لملاك وشيطان في هذه الحرب المسعورة فكل طرف سعى إلى استعمال كل الوسائل والأسلحة واستمالة هذا أو ذاك خارج كل دوائر الأخلاق والقيم ، فسليم الرياحي الذي يتهم اليوم رئيس الحكومة وشخصيات سامية في الدولة بالتخطيط لانقلاب كان «حليف» يوسف الشاهد منذ أشهر قليلة، وقد كان ثمن هذا «الحلف» رفع تحجير السفر على سليم الرياحي قبيل جلسة منح الثقة لوزير الداخلية في جويلية الماضي.. وكان آنذاك سليم الرياحي يحظى بترحاب كامل وكلي من القصبة وكان المقربون من يوسف الشاهد يقولون بأنه لم يثبت شيء ضد الرجل .. ولكن للتحالفات اللامبدئية دائما ثمنا في السياسة، ثمن يدفعه اليوم يوسف الشاهد إذ تحول سليم الرياحي من «حليف» إلى عدو وخاصة بعدما تم «إهداؤه» قيادة نداء تونس في صفقة لا نعلم سرها .. ومنذ ايام قليلة تذكر الأمين العام الجديد لحزب « ولد سيدنا» انه حضر في جويلية الفارط جلسة خططت لانقلاب كل المؤشرات تقول بأنه كان متحمسا له ثم ها هو بعد أربعة أشهر يشعر بـ«الذنب» ويرفع دعوى لدى القضاء العسكري ويطلب منه فتح بحث تحقيقي و«إحالة كل من سولت له نفسه الانقلاب على شرعية الصندوق بالقوة،وبالتعاون مع عنصر امني، والتلاعب بأمن البلاد ومكتسباتها على المحكمة المختصة»..
وبالطبع ينزل «الديوان السياسي» للحزب الفائز في 2014 بيانا يؤكد فيه مساندته لأمينه العام في حين أنه كان يندد باتهام صحفي فرنسي لوزير الداخلية السابق لطفي براهم بالانقلاب ويستغربون من صمت القصبة على هذا !! أما الآن فهم يؤكدون قيام مؤامرة انقلابية تشمل رئيس الحكومة ومدير ديوان رئيس الجمهورية والمدير العام للأمن الرئاسي !! هل هنالك ترهات اكبر من هذه واستهانة بالدولة وبمؤسساتها ؟ !
وعندما نقول هذا فنحن لا ننزه أي طرف من السياسات والممارسات الخاطئة ولعل أهمها وأخطرها محاولة «توجيه» بعض وسائل الإعلام ونسج شبكة من العلاقات داخل الأسرة الإعلامية أضحت مهمتها الرئيسية التسويق للحكومة ولرئيسها ولا هم لها سوى نقد وانتقاد معارضيها ولاسيما داخل حزبه .
إن اخطر ما يهدد الانتقال الديمقراطي الاصطفاف الإعلامي وتحوله إلى معسكرات شحن وتوجيه وبروبا قندا لا انتصارا لأفكار وقيم بعينها بل لأحزاب وشخصيات ولوبيات تزين كل سياساتها وتبرر كل مواقفها ..
إن الاصطفاف الإعلامي مضر بالإعلام ومضر لمن يعتقدون أنهم سيجنون من ورائه بعض المكاسب ومضر بمصداقية النخب بصفة عامة ومعمق للهوة بين النخب والشعب ..
ومن ينكر اليوم وجود مطابخ سياسية وإعلامية عند الاخوة الأعداء لكي تتواصل هذه الحرب المسعورة وتشتعل بين بعض المصطفين إعلاميا هنا أو هناك..
نحن أمام امتحان حقيقي للجميع : امتحان للقضاء العسكري اليوم المطالب بالفصل السريع في الدعوى التي رفعها سليم الرياحي وبتكييف التتبعات القضائية إذ لا يمكن أن تتم هذه القضية دون أن يبوء بها أحد إن الحديث عن «الانقلاب على شرعية الصندوق بالقوة» ليس حديثا عاديا ولا ينبغي أن يشوش على الوضع السياسي العام لأشهر طويلة ..
والتحدي الثاني هو لشقوق نداء تونس المتصارعة بل والمتهالكة اليوم على السلطة ، هو أن تتقدم للتونسيين بأفكار وتصورات وبرامج إن هي أرادت المواصلة في الوجود وإلا سوف تنقرض جميعها أو جلها .
والتحدي الثالث والاهم في نظرنا هو أن تنتبه كل الاسرة الإعلامية إلى المحاولات الظاهرة والخفية لتوظيفها أو حتى لتوريطها في صراعات الأشخاص والشقوق واللوبيات ، فالإعلام مدين للثورة بهذه الحرية غير المسبوقة ومن العبث إهدار هذا المكسب وارتهان القرار الإعلامي الحر فالقاعدة عندنا هي حكمة الأقدمين والقاضية بأن نعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال .
لا نريد لهذه السنة الساسية الانتخابية المهمة لكل التونسيين أن تتحول إلى مهاترات الهدف منها البقاء في السلطة أو العودة إليها وذلك مهما كان الثمن ..

المشاركة في هذا المقال