Print this page

في المفاوضات الاجتماعية ومشاكل المنشآت العمومية

أسبوع واحد يفصلنا عن موعد الإضراب العام في المنشآت العمومية ومازلنا ننتظر

اتفاقا واضحا بين الحكومة والمنظمة الشغيلة قصد إلغاء هذا الاضراب حتى لا يزيد المناخ الاجتماعي في التدهور.

ينبغي أن نقر بأن قيادة الاتحاد ، ورغم بعض الخطب الحماسية ، لم تعمد إلى التصعيد وأعطت ما يكفي من الوقت للحكومة لإيجاد حل تفاوضي مقبول كما حرصت أن يتأخر موعد الإضراب العام عن الالتزامات الدولية للبلاد التونسية وخاصة في ما يتعلق بصرف القسط الرابع من القرض الممدد لصندوق النقد الدولي ..
والاتحاد لا يريد فقط زيادة في الأجور تعوّض ، ولو جزئيا ، عن تدهور القدرة الشرائية بل كذلك تعهدا من الحكومة بالا يقع اللجوء إلى الخوصصة الكلية أو الجزئية لأية مؤسسة عمومية ولو كان ذلك عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو عن طريق إدخال شريك استراتيجي ..

وهذا لا يعني في نظر الاتحاد رفضا كليا ومبدئيا للخوصصة الكلية أو الجزئية للمنشآت العمومية بل أن تكون هذه الخوصصة هي الغاية اللامعلنة من مسار إصلاح المؤسسات العمومية اي أن مجمل «الخطوط الحمر» للمنظمة الشغيلة إنما تتعلق بمنهجية التفاوض وخاصة بمنهجية الإصلاح فيما يتعلق بهذا الملف الشائك ..

يبدو انه لا إشكال في مبدأ الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية والمنشآت العمومية خاصة مع التضخم الكبير الذي تشهده البلاد هذه السنة حيث سيستقر معدل التضخم في حدود %7.5 على الأرجح وسينحصر النقاش بين الطرفين الحكومي والنقابي حول النسبة المعقولة للطرفين فقط لا غير ومع إدراكنا بأن هذه المفاوضات قد تكون الأصعب بين الطرفين نظرا لما يمكن أن نتصوره من تباعد الموقف الأولي لهما ولكن رغم ذلك يبقى الاشكال الأكبر في إصلاح المنشآت العمومية وفي فلسفتها ومداخل الاصلاح..

والإشكال الأول والأساسي يكمن في إعادة تجسير الثقة بين طرفي التفاوض الرئيسيين: الحكومة من جهة واتحاد الشغل من جهة أخرى حتى تنطلق بداية الإصلاح الفعلي كما قيل حالة بحالة وبدءا بإعادة النظر بصفة جذرية في حوكمة هذه المؤسسات ومراجعة كل القيود التي تعيق التصرف الفعال في مواردها وترفع من قدرتها التنافسية ويعاد النظر في مواردها البشرية سواء بضرورة الطرح او التطعيم ، وكل هذا لا يحتاج لخوصصة كلية أو جزئية بل سيستدعي تغيير التعامل مع هذه المنشآت واعتبارها مؤسسات اقتصادية معنية بالجدوى الاقتصادية والربحية وعقلنة الموارد حتى وإن تعلق نشاطها بخدمة عمومية لا يمكن أن تكون مربحة كالنقل العمومي البري على سبيل المثال ..
لقد أضعنا وقتا طويلا في المساجلات الإيديولوجية والتموقعات السياسية على حساب المقاربات العملية البراغماتية ..

لا يجادل أحد في وجود نزيف تجاوز 6.5 مليار دينار كجملة خسائر المؤسسات العمومية وانه قد آن الأوان لكي نوقف هذا التيار لا فقط لكلفته على المالية العمومية ولكن أيضا لان في إصلاح جدي للمؤسسات العمومية انعاشا للاقتصاد الوطني وتحسينا جديا لمناخ الأعمال واقتصادا في إنفاقنا العمومي وتوفيرا لسيولة إضافية للتنمية، كذلك إنما هو حلقات مترابطة لا فكاك بينها والإصلاح الفعلي يدخلنا في سيرورة إيجابية يخلق فيها النجاح النجاح بينما لو واصلنا المناكفات السياسية فلن نخرج مطلقا من هذه الحلقة المفرغة .

المشاركة في هذا المقال