Print this page

النهضة أمام دوامة التنظيم السري: ويتواصل الهروب إلى الأمام

انتظر الجميع اجتماع الدورة الثانية والعشرين لمجلس شورى حركة النهضة حتى نتأكد من إجابة الحركة الإسلامية

حول التهم التي وجهتها إليها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وخاصة في ما يتعلق بوجود «تنظيم سري» أو «جهاز خاص» لدى حركة النهضة ..

لقد اختارت الحركة الإسلامية ألا تجيب عن كل المعطيات التي تم تقديمها خلال الندوة الصحفية أو تلك التي عقبتها وتعلقت بالإثباتات القطعية لوجود تنظيم سري اخترق المؤسسة العسكرية بداية ثم الأمنية وتشكلت بواكيره الأولى منذ أواخر السبعينات وكان هو الذي سعي للقيام بانقلاب عسكري يوم 8 نوفمبر 1987 فيما عرف آنذاك بالمجموعة الأمنية ..
لقد اختارت النهضة إنكار الحقائق البديهية خوفا من إقرار ، ولو ضمني ، بوجود تاريخي لهذا الجهاز يجعلها محل ريبة وارتياب من قبل المواطنين فاتفق قادتها قبل انعقاد الدورة الاخيرة لمجلس الشورى وأثناءها بأن يواصلوا في سياسة الإنكار الكلي وان يوجهوا لخصومهم تهما شتى وبأنهم هم من اخترقوا المؤسسة الأمنية أو القضائية أو الاثنين معا وأن هذا الاختراق هو الذي سمح للجبهة الشعبية ومن ورائها هيئة الدفاع بالحصول على كل هذه «الوثائق المسربة» وبالتالي ينبغي محاكمة « التسريب» أولا وأخيرا وان يتم تعويم كل المعطيات والشهادات النهضوية على وجود هذا الجهاز الخاص ، في الماضي على الأقل ، بحجج واهية ومتهافتة من صنف أن مخابرات بن علي هي التي صنعت هذه الاراجيف أو انه تم حفظ القضية فيما عرف بالمجموعة الأمنية الأولى لسنة 1987 وبالتالي لم يعد هنالك موضوع يمكن الحديث عنه .

ويبدو أن حركة النهضة تعول على ما تعتقد انه قصر ذاكرة التونسيين وتحول الإعلام من قضية إلى أخرى وأنها مجرد سحابة صيف عابرة ينبغي الانتهاء منها في اقرب وقت ممكن ..

ويبدو كذلك أن الحركة الإسلامية تعتقد أن « تعليق التوافق بين الشيخين» هو مصدر هذه التسريبات وبالتالي لتجاوز هذه «العاصفة» لابد من إعادة قنوات الحوار مع رئيس الجمهورية والتأكيد بأن التمسك بالاستقرار الحكومي لا يعني انتصارا ليوسف الشاهد على حساب الباجي قائد السبسي ولا كذلك معاداة لاتحاد الشغل فالنهضة تريد أن تكون علاقاتها جيدة مع هذه الأطراف الثلاثة

رغم ادراك الحركة بأنها تلعب على حبال معقدة وسط رمال متحركة لا فقط للخلافات الهامة بين هذه الأطراف الثلاثة ولكن كذلك لأن الإستراتيجية الدفاعية للنهضة فيما يخص امتلاكها من عدمه لتنظيم سري قبل الثورة وبعدها إستراتيجية محفوفة بالمخاطر لأنها قائمة على إنكار وقائع تاريخية ثابتة أتينا على بعضها في أعدادنا الأخيرة ومن أهمها الشهادة التي لا يمكن التشكيك لا في صحتها ولا في ظروف كتابتها وهي التي وقعها المرحوم المنصف بن سالم وزير التعليم العالي زمن الترويكا والمسؤول السياسي عن «المجموعة الأمنية» لسنة 1987 وجاءت شهادته مفصلة في كتاب صدر بعد الثورة تحت عنوان « سنوات الجمر، شهادات حية عن الاضطهاد الفكري واستهداف الإسلام في تونس» وننصح مرة أخرى الجميع بقراءة الفصل الرابع لهذا الكتيب تحت عنوان «مجموعة الإنقاذ الوطني» حيث نجد معطيات هامة حول المجموعة الأمنية لسنة 1987 ومدى اختراقها للمؤسستين الأمنية والعسكرية وكذلك التفاوض الذي حصل داخل السجون من اجل إيجاد تسوية سياسية وأمنية بين «انقلاب 7 نوفمبر» الممثل بنظام بن علي ومحاولة « انقلاب 8 نوفمبر» الذي كانت تعتزم القيام به «مجموعة الإنقاذ الوطني» التابعة لحركة النهضة ..

لم هذا الإنكار المتعنت لهذا الجزء الواضح البين من التاريخ ؟ وهل بالإمكان الاستمرار في هذه السياسة الإنكارية لمعطيات تاريخية يشهد بها قادة كبار واساسيون في الحركة الإسلامية ؟
نؤكد مرة أخرى على ضرورة التمييز بين مستويات ثلاثة :

1 - حقيقة التنظيم السري قبل الثورة

2 - هل تم إحياء هذا التنظيم بعد الثورة وان حصلت محاولات فما هي وما كان موقف القيادة منها قبل انتخابات التأسيسي وزمن الترويكا وما بعد الترويكا ؟

3 - علاقة هذا التنظيم المفترض بالعنف السياسي وباغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي

النقطة الأولى تنتمي للتاريخ وإثباتها لم يعد محل شك رغم الاستراتيجيا الإعلامية الإنكارية للحركة الإسلامية .

اما النقطتان الثانية والثالثة فالقضاء وحده يمكنه الفصل فيها لا هيئة الدفاع عن الشهيدين ولا حركة النهضة ولا وسائل الإعلام ، والمهم هنا هو تعاون الجميع مع تحقيق قضائي جديد وجدي إذ لا مصلحة لأحد أن يتواصل هذا الجدل العقيم ، نحن نحتاج لحقائق ولإثباتات على مستوى المعطيات ثم توصيفها القانوني وما ينجر عنها من استتباعات قضائية إن لزم الأمر ..

ليس من مصلحة البلاد أن تتواصل هذه الشكوك دون حسم فيها واليوم الكرة كل الكرة عند قاضي التحقيق في قطب مكافحة الإرهاب وما نتمناه هو إعلام التونسيين بصفة دورية بتقدم الأبحاث ونتائجها الأولية وما نطالب به هو أن يتم استقصاء كل الإمكانيات والثنايا والمناخات التي حفت بجريمتي الاغتيال ولكن كذلك وبصفة جدية في حقيقة هذا الجهاز الخاص المفترض بعد الثورة فنحن نعتقد أن هنالك معطيات هامة وخطيرة لم يلتفت إليها القضاء بعد ..

ما يهمنا هو أن نعلم هل أن هنالك قرارا قياديا في النهضة بعد الثورة في إيجاد ما يمكن أن نطلق عليه بالتنظيم الخاص أم أنها محاولات جزئية حصلت دون علم ودون إذن من القيادة المركزية .. ينبغي ان يدرك الجميع، بدءا بحركة النهضة ، أننا لسنا أمام سحابة صيف عابرة بل أمام واجب الحقيقة ، كل الحقيقة حول أحد أهم جراحات تونس اليوم .

المشاركة في هذا المقال