Print this page

تونس وعودة الأسلمة الناعمة

نسمع بين الفينة والأخرى من يكرر بقوة أن زمن الصراعات «الإيديولوجية» حول الهوية قد ولّى وانقضى بعد مصادقتنا شبه الإجماعية على دستور جانفي 2014 الذي حسم مسألة طبيعة الدولة ووضعية الدين فيها...


مناطق رمادية

ولكن ما بين التأكيد القوي والواقع العصيّ هنالك بون يكبر أو يصغر حسب المناخات وموازين القوى.. ثم إن من يدّعي بأن دستور 2014 قد حسم الخلافات الإيديولوجية حول الهوية إلى الأبد إنما هو من صنف من يقول قولا ثم يصدق نفسه لأن دستور 2014 على إيجابياته الكبيرة لم يحسم بالوضوح الكافي الصراعات الإيديولوجية حول الهوية وما كان بإمكانه أن يفعل ذلك لأن هذا الدستور انبنى على توافقات واسعة أي تنازلات من كل الأطراف واختار صيغا فيها من الغموض ما يسمح بتعدد التأويلات وبأن يقرأ هذا الدستور كل طرف على الشاكلة التي يريد في انتظار انتصاب محكمة دستورية تفصل في المناطق الرمادية.. هذا إذا ما افترضنا جدلا بانه من مصلحة تونس أن يتم الفصل في المناطق الرمادية...

يعتقد فريق من التونسيين بأن الفصل الثاني من الدستور قد حسم طبيعة الدولة التونسية بالوضوح الكافي عندما قال: «تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون» وخاصة عندما أردف بأنه «لا يجوز تعديل هذا الفصل» بعضنا يريد أن يفهم بأن المؤسسين قصدوا بدولة مدنية الدولة العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة ولكن الفصل الأول، رغم الجدل الذي يثيره على امتداد أكثر من نصف قرن، يبقى محتفظا بغموضه الأصلي «تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها» وسيستمر الجدل إلى قيام الساعة حول هوية الضمير المستتر في «دينها» هل يعود إلى تونس أم إلى الدولة.. خاصة وأن الفصل 74 يعيد خلط الأوراق من جديد عندما يشترط على المترشح لرئاسة الجمهورية أن يكون «دينه الإسلام»..

ولكن هذا الغموض الدستوري الذي يرضي كل الفرقاء – إذ يسمح للجميع بالتأويل - ليس هو مصدر الإشكال الوحيد.. بل رغبة بعضهم داخل الحركة الإسلامية وعلى تخومها في انتهاج سياسات الأسلمة «الناعمة» للمجتمع من خلال مشاريع قوانين المقصود منها دوما المزج بين الديني والسياسي وإظهار أن للدين جوانب تشريعية قادرة على تنظيم أجزاء من حياتنا العامة...

لقد سعت حركة النهضة إلى أن تمرر بعض القوانين من هذا القبيل كمشاريع قوانين المساجد أو المسّ من المقدسات أو الأوقاف (الأحباس) أو صندوق الزكاة وغير ذلك من المحاولات التي باءت كلها بالفشل...
ولكن الحركة الإسلامية لم ترم المنديل فها هي تعيد الكرة بعد أن أحكمت تحالفاتها السياسية مع أعداء الأمس.. وتراها تحشر كل كلمات ومفاهيم حافة بالشريعة كلما تيسر لها ذلك...

التطبيع مع الصيرفة الاسلامية
اليوم كل الجهود منصبة داخل الحركة الإسلامية وخارجها أيضا من أجل التطبيع الكلي والنهائي مع ما يسمى بالصيرفة الإسلامية... فلسفة هذا «التطبيع» تقوم على مبادئ ثلاثة:
1 البنك الإسلامي كالبنك التجاري «العادي» يقوم بنفس الوظائف ويسهم بصفة فعالة في تمويل الاقتصاد وهو ذو فعالية لا تقل عن فعالية البنوك التجارية الأخرى.
2 الصيرفة الإسلامية «ناجحة» عالميا ويستشهد على هذا بالوجود الهام لهذا الصنف من الصيرفة في بعض الدول الأوروبية وفي لجوء الدول الكبرى لهذه «التقنية» وينسى أصحاب هذه الحجة أن «النجاح» لا يعود ضرورة لتقنيات الصيرفة الإسلامية أو ....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال