Print this page

بعد انتخاب الغالبية العظمى لرؤساء البلديات (342 من أصل 350): فوز النهضة (127) وتأكيد المستقلين (118) وخسارة رهان نداء تونس (75)

• فرض التناصف لم يفرز سوى %20 كرئيسات للبلديات
• 22 بلدية لقائمات حزبية مختلفة منها 8 للجبهة الشعبية

أشرف انتخاب رؤساء المجالس البلدية على الانتهاء إذ وصلنا إلى حدود عشية أمس إلى تنصيب 342 رئيس مجلس بلدي من أصل 350 أي بنسبة %97.7 والبلديات المتبقية هي المرسى والكرم بولاية تونس ومنزل تميم ودار علوش بولاية نابل وجبل الوسط بزغوان وجلمة بسيدي بوزيد وملولش بالمهدية والمظيلة بقفصة وهذا يعني أن 18 ولاية قد اكتمل فيها انتخاب رؤساء كل المجالس البلدية أي أن التوازنات العامة قد باتت نهائية ونتائج هذه البلديات العشر لن تغير فيها شيئا يذكر .

الملاحظة الأولى هي انتصار حركة النهضة والتي تمكنت من توسيع نتائجها يوم الاقتراع حيث حصلت على %28 من الأصوات لتتصدر الآن 127 مجلسا بلديا بنسبة تناهز %37.1 أي أن الحركة الإسلامية قد تمكنت من نسج التحالفات الضرورية خاصة مع بعض القائمات المستقلة وأحيانا «بالتفاوض المباشر» مع بعض المنتخبين لتعمق انتصار الدور الأول ولتحرز هذا العدد الهام جدا من رئاسة المجالس البلدية ..

نحن ولاشك أمام انتخابات محلية ولكن الانتصار الواضح لحركة النهضة على المستوى الوطني بالإضافة إلى انتصار الحركة الإسلامية في تونس العاصمة وصفاقس وحوالي نصف مراكز الولايات سيعطي لهذا الانتصار بعدا وطنيا واضحا ونحن تفصلنا بالكاد سنة عن الانتخابات التشريعية والرئاسية والأكيد أن حركة النهضة سوف تعمل لتجعل من هذه البلديات واجهة محلية لما يمكن أن تصنعه غدا على المستوى الوطني.

الملاحظة الثانية هي التأكيد القوي للقائمات المستقلة والتي تمكنت من الفوز بـ117 رئاسة بلدية أي بنسبة تجاوزت الثلث (%34.5) وهي في حدود النسبة الإجمالية التي حصلت عليها كل القائمات المستقلة يوم 6 ماي 2018 أي على عكس ما كان ينتظره البعض لم يكن المستقلون عنصر تعديل للقائمات الحزبية بل دافعوا عن حظوظهم في كل البلديات وأقاموا التحالفات الضرورية في أحيان كثيرة داخل القائمات المستقلة وكذلك مع بعض القائمات الحزبية للفوز بهذا العدد الهام من رئاسة البلديات ..

ينبغي أن نقول هنا بأن بعض القائمات المستقلة والتي لم تخضع إلا للتناصف العمودي قد استفادت كثيرا من خضوع القائمات الحزبية للتناصف الأفقي وقد تمكنت من الفوز هنا على النهضة وهناك على النداء خاصة عندما تكون على رأس القائمة النهضوية أو الندائية امرأة ، فالنهضة والنداء اللذان خضعا للتناصف الأفقي والعمودي قد حرصا أيضا على نوع من التناصف الجهوي ورغم ذلك فثلث رؤساء البلديات النهضويين هم من الرجال وثلاثة أرباع نظرائهم من النداء هم من الرجال كذلك ، أي أن النهضويات وبصفة أكبر الندائيات قد تضررن من تصويت لا يقر للمرأة بالريادة. والواضح أن الذين استفادوا من هذا هم رؤساء القائمات المستقلة وغالبيتهم الساحقة من الرجال ولكن رغم كل ذلك فظاهرة المستقلين هامة جدّا وهي تعبر في جوهرها عن محاولة إيجاد بديل عن الأحزاب،والسؤال الأساسي اليوم في تونس هو هل سنشاهد نظيرا لهذا في الانتخابات التشريعية القادمة أم لا أم أن الأحزاب التقليدية ستستعيد سطوتها خاصة وأنها لن تكون معنية بالتناصف الأفقي في أكتوبر 2019.؟

- الملاحظة الثالثة هي خسارة النداء للرهان الذي طرحه على نفسه مباشرة بعد الإعلان عن النتائج الأولية لانتخابات 6 ماي 2018 وهو تعويض خسارته في الصندوق بربح اكبر عدد ممكن من رئاسة البلديات بفضل إيجاد شبكة من التحالفات مع الأحزاب «الصديقة» والقائمات المستقلة القريبة فكريا وسياسيا من النداء ولكن النداء قد خسر بصفة جلية هذا الرهان ولم يتمكن من مجاراة نسق النهضويين والمستقلين واكتفى بالمرتبة الثالثة (75 بلدية بنسبة %21.9) وقد خسر مواقع رمزية هامة بدءا ببلدية العاصمة وبلديات عديدة في تونس الكبرى وخاصة في بن عروس وأريانة ..

لابد أن نشير هنا أيضا إلى أن هنالك بعض الأحزاب التي تمكنت من الفوز برئاسة عدد من البلديات كالجبهة الشعبية (8) وحركة الشعب (4) والتيار الديمقراطي (2) وآفاق (2) والاتحاد المدني (2) وبلدية واحدة لكل من المبادرة واتحاد الشعب الجمهوري والحراك وهذه مخابر هامة لنرى مدى توفق أحزاب ليست لديها تجربة في السلطة التنفيذية في تسيير هذه السلطة المحلية والأكيد أن نجاحها أو إخفاقها سيؤثر طردا أو عكسا على نتائجها في الانتخابات العامة القادمة ..

المشهد السياسي التونسي مازال متحركا ولا شيء يؤكد أننا وصلنا الى نقطة الاستقرار فيه ووفق ما حصل في 2018 فالمفاجآت ستكون حاضرة كذلك في 2019 ويتطلب الوضع التونسي بضع سنوات أخرى حتى تستقر نسبيا الخارطة السياسية في بلادنا .

المشاركة في هذا المقال